إِحْدَاهَا: إِذَا عَيَّنَ الْمُوَكِّلُ شَخْصًا، بِأَنْ قَالَ: بِعْ لِزَيْدٍ. أَوْ عَيَّنَ وَقْتًا، بِأَنْ قَالَ: بِعْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَ لِغَيْرِ زَيْدٍ، وَلَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَلَا بَعْدَهُ.
قُلْتُ: هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهُ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ. قَالُوا: وَكَذَا حُكْمُ الْعِتْقِ، لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَلَا بَعْدَهُ. وَأَمَّا الطَّلَاقُ، فَنَقَلَ صَاحِبَا «الشَّامِلِ» وَ «الْبَيَانِ» عَنِ الدَّارِكِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْجُمُعَةِ، لَا يَقَعُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَهُ يَقَعُ، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً يَوْمَ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ مُطَلَّقَةً يَوْمَ السَّبْتِ، بِخِلَافِ الْخَمِيسِ. وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لَوْ عَيَّنَ مَكَانًا مِنْ سُوقٍ وَنَحْوِهَا، نُظِرَ، إِنْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ غَرَضٌ ظَاهِرٌ، بِأَنْ كَانَ الرَّاغِبُونَ فِيهِ أَكْثَرَ، أَوِ النَّقْدُ فِيهِ أَجْوَدَ، لَمْ يَجُزِ الْبَيْعُ فِي غَيْرِهِ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ، وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ ابْنِ الْقَطَّانِ وَالْبَغَوِيِّ: الْمَنْعُ.
قُلْتُ: قَطَعَ بِالْجَوَازِ أَيْضًا صَاحِبَا التَّنْبِيهِ وَ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَنْعُ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» .
قُلْتُ: هَذَا إِذَا لَمْ يُقَدِّرِ الثَّمَنَ. فَإِنْ قَالَ: بِعْ فِي سُوقِ كَذَا بِمِائَةٍ، فَبَاعَ بِمِائَةٍ فِي غَيْرِهَا، جَازَ، صَرَّحَ بِهِ صَاحِبَا «الشَّامِلِ» وَ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرُهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ نَهَاهُ صَرِيحًا عَنِ الْبَيْعِ فِي غَيْرِهِ، امْتَنَعَ قَطْعًا. وَلَوْ قَالَ: بِعْ فِي بَلَدِ كَذَا، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: هُوَ كَقَوْلِهِ: بِعْ فِي سُوقِ كَذَا، حَتَّى لَوْ بَاعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ، جَاءَ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، وَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالنَّقْلِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَيَكُونُ الثَّمَنُ مَضْمُونًا فِي يَدِهِ. بَلْ لَوْ أَطْلَقَ التَّوْكِيلَ فِي الْبَيْعِ فِي بَلَدٍ، فَلْيَبِعْ فِيهِ فَإِنْ نَقَلَ، ضَمِنَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute