عَدْلًا آخَرَ.
وَالثَّالِثُ: يُجْبَرُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ الْمُقِرُّ: هَذَا الْمَالُ لِفُلَانٍ فَكَذَّبَهُ. فَأَمَّا إِذَا قَالَ لِلْقَاضِي: إِنَّ فِي يَدِي مَالًا لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ، فَالْوَجْهُ: الْقَطْعُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى حِفْظَهُ. وَأَبْعَدَ بَعْضُهُمْ، فَلَمْ يَجُوِّزِ انْتِزَاعَهُ هُنَا أَيْضًا. وَلَوْ رَجَعَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنِ الْإِنْكَارِ، وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ، فَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ، وَالْغَزَالِيُّ الْقَطْعَ بِقَبُولِهِ وَتَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ.
وَالْأَصَحُّ، مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْخِلَافِ. فَإِنْ قُلْنَا: يُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، فَقَدْ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ، فَلَا يُصْرَفُ إِلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ.
وَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَزِعُهُ الْحَاكِمُ وَيَحْفَظُهُ، لَمْ يُسَلَّمْ إِلَيْهِ أَيْضًا. بَلْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مَلَكَهُ، لَمْ تُسْمَعْ، وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ الْبَعِيدِ، فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ تَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ. وَلَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ فِي حَالِ إِنْكَارِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَقَالَ: غَلِطْتُ، أَوْ تَعَمَّدْتُ الْكَذِبَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَزِعُهُ الْحَاكِمُ لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ قُلْنَا: يُتْرَكُ فِي يَدِهِ فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: يُقْبَلُ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ: لَا يُقْبَلُ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِقْرَارِ بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ. فَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِعَبْدِهِ، فَأَنْكَرَهُ، فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدَّعِيَانِهِ، كَاللَّقِيطِ إِذَا قَالَ بَعْدَ بُلُوغِهِ: أَنَا عَبْدٌ لِزَيْدٍ، فَأَنْكَرَ زَيْدٌ، يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ، فَلَا يُرْفَعُ إِلَّا بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ اللَّقِيطِ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ، فَعَلَى هَذَا، حُكْمُهُ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ عَلَى مَا مَضَى. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ قِصَاصًا، أَوْ حَدَّ قَذْفٍ، فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، فَيَسْقُطُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَأَنْكَرَ رَبُّ الْمَالِ السَّرِقَةَ فَلَا قَطْعَ. وَفِي الْمَالِ مَا سَبَقَ. وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالنِّكَاحِ، وَأَنْكَرَ، سَقَطَ حُكْمُ الْإِقْرَارِ فِي حَقِّهِ.
فَرْعٌ
فِي يَدِهِ عَبْدَانِ، فَقَالَ: أَحَدُهُمَا لِزَيْدٍ، ثُمَّ عُيِّنَ أَحَدُهُمَا، فَقَالَ زَيْدٌ: إِنَّمَا عَبْدِي الْآخَرُ، فَهُوَ مُكَذِّبٌ لِلْمُقِرِّ فِي الْمَعَيَّنِ، وَمُدَّعٍ فِي الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute