فَرْعٌ
ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ، فَقَالَ: قَدْ أَقْبَضْتُكَ الْأَلْفَ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ يَوْمَ كَذَا، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى إِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ بَيِّنَتِهِ بِأَنَّهُ مَا أَقْبَضَهُ الثَّمَنَ سُمِعَتْ، وَأُلْزِمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إِقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ، فَقَدْ قَامَتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ كَذَّبَهُ، فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ، وَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا نَوْعَ تَعْيِينٍ، بِحَيْثُ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الدَّعْوَى وَالطَّلَبُ. فَلَوْ قَالَ: لِإِنْسَانٍ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَيَّ أَلْفٌ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ أَقَرَّ بِمُعَيَّنٍ فَكَذَّبَهُ، هَلْ يَنْتَزِعُ مِنْ يَدِهِ؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ، فَكَذَا هُنَا، فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا، لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَلَوْ جَاءَ وَاحِدٌ فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَرَدْتَنِي وَلِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ الْإِرَادَةِ وَنَفْيِ الْأَلْفِ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُقَرُّ بِهِ. وَيَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ، فَإِنْ كَانَ مَا يُقِرُّ بِهِ عَيْنًا، فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْمُقِرِّ حِينَ يُقِرُّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ إِزَالَةَ مِلْكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ. فَلَوْ قَالَ: دَارِي هَذِهِ، أَوْ ثَوْبِي الَّذِي أَمْلِكُهُ لِزَيْدٍ، فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَعْدِ بِالْهِبَةِ، وَلَوْ قَالَ: مَسْكَنِي هَذَا لِزَيْدٍ، كَانَ إِقْرَارًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْكُنُ مِلْكَ غَيْرِهِ. وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ أَقَرَّ زَيْدٌ بِأَنَّهَا مِلْكُ عَمْرٍو، وَكَانَتْ مِلْكَ زَيْدٍ إِلَى أَنْ أَقَرَّ، كَانَتِ الشَّهَادَةُ بَاطِلَةً، نَصَّ عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: هِيَ لِزَيْدٍ وَكَانَتْ مِلْكِي إِلَى وَقْتِ الْإِقْرَارِ، فَإِقْرَارُهُ نَافِذٌ.
وَالَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مُنَاقِضٌ لِأَوَّلِهِ، فَيَلْغُو كَمَا لَوْ قَالَ: هِيَ لَهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ، وَهَذَا فِي الْأَعْيَانِ، وَكَذَا فِي الدُّيُونِ إِذَا كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي الظَّاهِرِ دَيْنٌ، مِنْ قَرْضٍ، أَوْ أُجْرَةٍ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute