هَذَانِ وَالْمُتَوَلِّي بِالصِّحَّةِ فِيمَا إِذَا أَعَارَهُ الشَّاةَ لِيَأْخُذَ لَبَنَهَا، أَوْ أَعَارَهُ شَجَرَةً لِيَأْخُذَ ثَمَرَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى هَذَا، قَدْ تَكُونُ الْعَارِيَّةُ لِاسْتِفَادَةِ عَيْنٍ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ. وَلَوْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ دَرَّهَا، أَوْ أَبَحْتُكَهُ عَلَى أَنْ تَعْلِفَهَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: الْعَلَفُ أُجْرَةُ الشَّاةِ وَثَمَنُ الدَّرِّ وَالنَّسْلِ، فَالشَّاةُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَالدَّرُّ وَالنَّسْلُ مَضْمُونَانِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ. وَكَذَا لَوْ دَفَعَ قُرَاضَةً إِلَى سَقَّاءٍ، وَأَخَذَ الْكُوزَ لِيَشْرَبَ، فَسَقَطَ الْكُوزُ مِنْ يَدِهِ وَانْكَسَرَ، ضَمِنَ الْمَاءَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يَضْمَنِ الْكُوزَ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ، وَإِنْ أَخَذَهُ مَجَّانًا، فَالْكُوزُ عَارِيَةٌ، وَالْمَاءُ كَالْمَقْبُوضِ بِالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ.
فَرْعٌ
قَالَ الْمُتَوَلِّي: تَعْيِينُ الْمُسْتَعَارِ عِنْدَ الْإِعَارَةِ، لَيْسَ بِشَرْطٍ. حَتَّى لَوْ قَالَ: أَعِرْنِي دَابَّةً، فَقَالَ: ادْخُلِ الْإِصْطَبْلَ فَخُذْ مَا أَرَدْتَ، صَحَّتِ الْعَارِيَّةُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهَا تُصَانُ عَنْ مِثْلِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يُحْتَمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ.
الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ، وَاللَّفْظُ الْمُعْتَدُّ بِهِ فِي الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ فِي الِانْتِفَاعِ، كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ، أَوْ خُذْهُ لِتَنْتَفِعَ بِهِ، وَمَا أَشْبَهَهُمَا. وَاخْتَلَفَوا فِي الَوْاجِبِ مِنَ اللَّفْظِ، فَالْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ اللَّفْظُ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وَالْفِعْلُ مِنَ الْآخَرِ. حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ: أَعِرْنِي، فَسَلَّمَهَ الْمَالِكُ إِلَيهِ، صَحَّتِ الْإِعَارَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: خُذْهُ لِتَنْتَفِعَ بِهِ، فَأَخَذَهُ، قِيَاسًا عَلَى إِبَاحَةِ الطَّعَامِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ مِنْ جِهَةِ الْمُعِيرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute