للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهُ الْقَبُولُ، إِمَّا بِالْفِعْلِ وَإِمَّا بِالْقَوْلِ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، حَتَّى لَوْ رَآهُ عَارِيًّا فَأَعْطَاهُ قَمِيصًا فَلَبِسَهُ، تَمَّتِ الْعَارِيَّةُ. وَكَذَا لَوْ فَرَشَ لِضَيْفِهِ فِرَاشًا أَوْ بِسَاطًا أَوْ مُصَلًّى، أَوْ أَلْقَى لَهُ وَسَادَةً فَجَلَسَ عَلَيْهَا، كَانَ ذَلِكَ إِعَارَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ فَجَلَسَ عَلَى الْفُرُشِ الْمَبْسُوطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا انْتِفَاعَ شَخْصٍ بِعَيَّنَهِ، وَلَا بُدَّ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي فِيهِ تَمَامُ التَّشْبِيهِ بِإِبَاحَةِ الطَّعَامِ، وَيُوَافِقُهُ مَا حُكِيَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ، أَنَّهُ إِذَا انْتَفَعَ بِظَرْفِ الْهَدِيَّةِ الْمَبْعُوثَةِ إِلَيهِ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ، كَأَكْلِ الطَّعَامِ مِنَ الْقَصْعَةِ الْمَبْعُوثِ فِيهَا، كَانَ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ.

قُلْتُ: هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْهَدِيَّةُ لَا تُقَابَلُ. فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ عِوَضًا، فَالظَّرْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، كَذَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

قَالَ: أَعَرْتُكَ حِمَارِي لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ، فَهِيَ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ، لَوْ أَعَارَهُ شَيْئًا بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً لِيَعْلِفَهَا، أَوْ دَارَهُ لِيُطَيِّنَ سَطْحَهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا، وَلَكِنْ مُدَّةُ الْإِعَارَةِ مَجْهُولَةٌ، كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ دَارِي بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ لَتُعِيرُنِي ثَوْبَكَ شَهْرًا. وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: أَنَّهَا عَارِيَّةٌ فَاسِدَةٌ، نَظَرًا إِلَى اللَّفْظِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا ضَمَانَ، وَلَوْ بَيَّنَ مُدَّةَ الْإِعَارَةِ وَذَكَرَ عِوَضًا مَعْلَوْمًا، فَقَالَ: أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا مِنَ الْيَوْمِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ لَتُعِيرُنِي ثَوْبَكَ شَهْرًا مِنَ الْيَوْمَ، فَهَلْ هِيَ إِجَارَةٌ صَحِيحَةٌ، أَوْ إِعَارَةٌ فَاسِدَةٌ؟ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ، أَوِ الْمَعْنَى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>