للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرْعٌ

اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا، فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ، فَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ طَيَّرَتِ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي دَارِهِ.

الْحُكْمُ الثَّانِي: تَسَلُّطُ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِحَسَبِ إِذْنِ الْمُعِيرِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ.

الْأُولَى: إِذَا أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، فَإِنَّ بَيْنَ مَا يَزْرَعُهُ، كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ لِزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ غَيْرِهَا، فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْحِنْطَةَ وَمَا ضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا أَوْ دُونَهُ كَالشَّعِيرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ مَا فَوْقَهَا كَالذُّرَةِ وَالْقُطْنِ. وَإِنْ نَهَاهُ عَنْ غَيْرِهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ زَرْعُ غَيْرِهَا. وَحَيْثُ زَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ، فَلِلْمُعِيرِ قَلْعُهُ مَجَّانًا. وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُبَيِّنِ الزُّرُوعَ، صَحَّتِ الْإِعَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيَزْرَعُ مَا شَاءَ، لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ.

وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ، لِتَفَاوُتِ الضَّرَرِ. وَلَوْ قِيلَ: يَصِحُّ وَلَا يَزْرَعُ إِلَّا أَقَلَّ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا، لَكَانَ مَذْهَبًا.

الثَّانِيَةُ: إِذَا أَعَارَ لِلزِّرَاعَةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبِنَاءُ وَلَا الْغِرَاسُ. وَإِنْ أَعَارَ لِأَحَدِهِمَا، فَلَهُ الزِّرَاعَةُ، وَلَيْسَ لَهُ الْآخَرُ عَلَى الْأَصَحِّ.

قُلْتُ: حَكَى صَاحِبُ الْمُهَذِّبِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزَّرْعُ إِذَا اسْتَعَارَ لِلْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ يُرْخِي الْأَرْضَ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ.

وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الثَّالِثَةُ: إِذَا كَانَ الْمُسْتَعَارُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إِلَّا بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، كَالْبِسَاطِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِأَنْ يُفْرَشَ، فَلَا حَاجَةَ فِي إِعَارَتِهِ إِلَى بَيَانِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ بِجِهَتَيْنِ فَصَاعِدًا، كَالْأَرْضِ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ، وَالْبِنَاءِ، وَالْغِرَاسِ، وَكَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ، فَهَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>