تَصِحُّ الْإِعَارَةُ مُطْلَقًا، أَمْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ جِهَةِ الِانْتِفَاعِ؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْغَزَالِيِّ: الثَّانِي، وَقَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ بِالْأَوَّلِ.
قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» الثَّانِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ كَيْفَ شَاءَ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: يَنْتَفِعُ بِمَا هُوَ الْعَادَةُ فِيهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ. وَعَلَى الثَّانِي: لَوْ قَالَ: أَعَرْتُكَ لِتَنْتَفِعَ بِهِ كَيْفَ شِئْتَ، أَوْ لِتَفْعَلَ بِهِ مَا بَدَا لَكَ، فَوَجْهَانِ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ: الْجَوَازُ. فَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ مَتَى شَاءَ، سَوَاءٌ الْعَارِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ وَالْمُؤَقَّتَةُ، إِلَّا فِي صُورَتَيْنِ.
الْأُولَى: إِذَا أَعَارَ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ، فَدَفَنَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ وَنَبْشُ الْقَبْرِ إِلَى أَنْ يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ، وَلَهُ سَقْيُ الْأَشْجَارِ الَّتِي فِيهَا إِنْ لَمْ يُفْضِ إِلَى ظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِ الْمَيِّتِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ الْمَيِّتُ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَكَذَا بَعْدَ الَوَضْعِ مَا لَمْ يُوَارِهِ التُّرَابُ. قَالَ: وَمُؤْنَةُ الْحَفْرِ إِذَا رَجَعَ بَعْدَ الْحَفْرِ وَقَبْلَ الدَّفْنِ، عَلَى وَلِيِّ الْمَيِّتِ، وَلَا يَلْزَمُهُ طَمُّهَا.
قُلْتُ: كَذَا هُوَ فِي نَسْخِ كِتَابِ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ عَنِ الْمُتَوَلِّي، فَإِنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَالَ: إِذَا رَجَعَ فِي الْعَارِيَّةِ بَعْدَ الْحَفْرِ وَقَبْلَ الدَّفْنِ، غَرِمَ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةَ الْحَفْرِ؛ لِأَنَّهُ بِإِذْنِهِ فِي الْحَفْرِ أَوْقَعَهُ فِي الْتِزَامِ مَا الْتُزِمَ، وَفَوَّتَ عَلَيهِ مَقْصُودَهُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، فَهَذَا لَفْظُ الْمُتَوَلِّي بِحُرُوفِهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِطْلَاقُ الْإِعَارَةِ، لَا يُسَلَّطُ عَلَى الدَّفْنِ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ يُسَلَّطُ عَلَى مَا شَاءَ مِنَ الْمَنَافِعِ عَلَى الَوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute