إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى؟ وَلَوْ قَالَ: سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذِهِ النَّخِيلِ بِكَذَا لِيَكُونَ أُجْرَةً لَكَ، فَلَا بَأْسَ، لَسَبْقِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ.
هَذَا إِذَا قَصَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ الْمُسَاقَاةَ، أَمَّا إِذَا قَصَدَا الْإِجَارَةَ نَفْسَهَا، فَيُنْظَرُ، إِنْ لَمْ تَكُنْ خَرَجَتِ الثَّمَرَةُ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ شَرْطَ الْأُجْرَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مَوْجُودَةً مَعْلُومَةً. وَإِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ، وَبَدَا فِيهَا الصَّلَاحُ، جَازَ، سَوَاءٌ شَرَطَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ جُزْءًا شَائِعًا، كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَكِنْ يَجِيءُ فِيهِ مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَأَخَوَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَبْدُ فِيهَا الصَّلَاحُ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، جَازَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ كُلَّ الثِّمَارِ لِلْعَامِلِ. وَإِنْ شَرَطَ جُزْءًا شَائِعًا، لَمْ يَجُزْ وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ، لِمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ. وَإِذَا عَقَدَا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ، بَلْ يُحْمَلُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى عُرْفِهَا الْغَالِبِ. وَقِيلَ: يَجِبُ تَفْصِيلُهَا. وَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا عَلِمَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْعُرْفَ الْمَحْمُولَ عَلَيْهِ. فَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا وَجَبَ التَّفْصِيلُ قَطْعًا.
الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُسَاقَاةِ
وَيَجْمَعُهَا حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَالْمَالِكَ. وَالثَّانِي: فِي لُزُومِهَا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَكُلُّ عَمَلٍ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الثِّمَارُ لِزِيَادَتِهَا، أَوْ صَلَاحٍ، وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ. وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا التَّكْرَارَ، لِأَنَّ مَا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ، وَتَكْلِيفُ الْعَامِلِ مِثْلَ هَذَا، إِجْحَافٌ بِهِ. فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ إِصْلَاحِ طَرِيقِ الْمَاءِ وَالْأَجَاجِينِ الَّتِي يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ، وَتَنْقِيَةِ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ مِنَ الْحَمْأَةِ وَنَحْوِهَا. وَإِدَارَةِ الدُّولَابِ وَفَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ، وَسَدِّهَا عِنْدَ السَّقْيِ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute