وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا: أَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا خِلَافًا مُحَقَّقًا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَقُولُ: الْعَيْنُ مَمْلُوكَةٌ بِالْإِجَارَةِ كَالْمَبِيعِ. وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي، لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنِ الْعَيْنِ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ
فِيهِ طَرَفَانِ.
[الطَّرَفُ] الْأَوَّلُ: فِيمَا يَقْتَضِي اللَّفْظُ دُخُولَهُ فِي الْعَقْدِ وَضْعًا أَوْ عُرْفًا، وَمَا يُلْزِمُ الْمُتَكَارِيَيْنِ إِتْمَامًا لَهُ، وَمَسَائِلُهُ مَقْسُومَةٌ عَلَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي شَرْطِ الْعِلْمِ بِالْمَنْفَعَةِ.
[النَّوْعُ] الْأَوَّلُ: اسْتِئْجَارُ الْآدَمِيِّ، وَفِيهِ فَصْلَانِ.
[الْفَصْلُ] الْأَوَّلُ: الِاسْتِئْجَارُ لِلْحِضَانَةِ وَحْدَهَا، وَلِلْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ جَائِزٌ، وَكَذَا لَهُمَا مَعًا كَمَا سَبَقَ وَذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْإِجَارَةِ لِلْإِرْضَاعِ مَا هُوَ؟ وَأَمَّا الْحِضَانَةُ، فَهِيَ حِفْظُ الصَّبِيِّ وَتَعَهُّدُهُ، بِغَسْلِهِ، وَغَسْلِ رَأْسِهِ وَثِيَابِهِ وَخِرَقِهِ، وَتَطْهِيرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَدَهْنِهِ وَكَحْلِهِ، وَإِضْجَاعِهِ فِي مَهْدِهِ، وَرَبْطِهِ وَتَحْرِيكِهِ فِي الْمَهْدِ لِيَنَامَ.
وَإِذَا أُطْلِقَ الِاسْتِئْجَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَلَمْ يَنْفِ الْآخَرُ، فَفِي اسْتِتْبَاعِهِ الْآخَرَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: مَنْعُ الِاسْتِتْبَاعِ. وَالثَّانِي: إِثْبَاتُهُ لِلْعَادَةِ بِتَلَازُمِهِمَا. وَالثَّالِثُ: يَسْتَتْبِعُ الْإِرْضَاعُ الْحِضَانَةَ وَلَا عَكْسٌ. فَإِنْ أَتْبَعْنَا فِيهِمَا، أَوْ شَرَطَهُمَا، فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ، فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مَاذَا؟ أَحَدُهَا: أَنَّهُ اللَّبَنُ، وَالْحِضَانَةُ تَابِعَةٌ، فَعَلَى هَذَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِانْقِطَاعِهِ، وَالثَّانِي: الْحِضَانَةُ، وَاللَّبَنُ تَابِعٌ، فَعَلَى هَذَا لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، لَكِنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، لِأَنَّهُ عَيْبٌ.
وَأَصَحُّهُمَا: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا، لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ. فَعَلَى هَذَا، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْإِرْضَاعِ، وَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ. وَفِي الْحِضَانَةِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute