وَطَلْعِ النَّخْلِ وَالذَّرُورِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْحِبْرِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ الْإِمَامُ وَشَيْخُهُ وَالْغَزَالِيُّ، بِأَنَّ الْخَيْطَ لَا يَجِبُ عَلَى الْخَيَّاطِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ الْغَالِبَةَ فِي الْخَيْطِ خِلَافُ الْحِبْرِ وَالصَّبْغِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: الْعَقَارُ، وَهُوَ صِنْفَانِ، مَبْنِيٌّ كَالدَّارِ وَالْحَمَّامِ، وَغَيْرُهُ.
فَالْأَوَّلُ: فِيهِ مَسْأَلَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الدَّارُ الْمُكْرَاةُ مِنَ الْعِمَارَةِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ. أَحَدُهَا: مَرَمَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ، كَإِقَامَةِ جِدَارٍ مَائِلٍ، وَإِصْلَاحِ مُنْكَسِرٍ، وَغَلْقٍ تَعَسَّرَ فَتْحُهُ.
وَالثَّانِي: مَا يُحْوِجُ إِلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ، كَبِنَاءٍ، وَجِذْعٍ جَدِيدٍ، وَتَطْيِينِ سَطْحٍ، وَالْحَاجَةُ فِي الضَّرْبَيْنِ لِخَلَلٍ عَرَضَ فِي دَوَامِ الْإِجَارَةِ. الثَّالِثُ: عِمَارَةٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا لِخَلَلٍ قَارَنَ الْعَقْدَ، بِأَنْ أَجَّرَ دَارًا لَيْسَ لَهَا بَابٌ وَلَا مِيزَابٌ.
وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَضْرَابِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، بَلْ هِيَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُؤَجِّرِ، فَإِنْ بَادَرَ إِلَى الْإِصْلَاحِ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَإِلَّا، فَلَهُ الْخِيَارُ إِذَا نَقَصَتِ الْمَنْفَعَةُ. حَتَّى لَوْ وَكَفَ الْبَيْتَ لِتَرْكِ التَّطْيِينِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَهُ الْخِيَارُ. فَإِذَا انْقَطَعَ بَطَلَ الْخِيَارُ، إِلَّا إِذَا حَدَثَ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي الضَّرْبِ الثَّالِثِ، إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ. وَهَلْ يُجْبَرُ الْمُؤَجِّرُ عَلَى هَذِهِ الْعِمَارَاتِ؟ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ: لَا يُجْبَرُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ إِلْزَامُ عَيْنٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الْعَقْدُ. وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ: يُجْبَرُ عَلَى الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الثَّالِثِ قَطْعًا، وَلَا عَلَى الثَّانِي عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو مُحَمَّدٍ: يُجْبَرُ تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا غُصِبَتِ الْمُسْتَأْجَرَةُ وَقَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى الِانْتِزَاعِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ هُنَا، وُجُوبُ الِانْتِزَاعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَمْ يَنْتَزِعْ مَا سَلَّمَهُ، يُطَالَبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute