جَوَّزْنَاهُ، فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، أَمْ يَجُوزُ أَيْضًا لِوُلَاتِهِ فِي النَّوَاحِي؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَسَوَاءٌ حَمَى لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، أَمْ لِنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالضَّوَالِّ، وَمَالِ الضُّعَفَاءِ عَنِ الْإِبْعَادِ فِي طَلَبِ النُّجْعَةِ، ثُمَّ لَا يَحْمِي إِلَّا الْأَقَلَّ الَّذِي لَا يَبِينُ ضَرَرُهُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يُضَيِّقُ الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، نَصٌّ، فَلَا يُنْقَضُّ وَلَا يُغَيَّرُ بِحَالٍ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَقِيلَ: إِنْ بَقِيَتِ الْحَاجَةُ الَّتِي حَمَى لَهَا، لَمْ يُغَيَّرْ. وَإِنْ زَالَتْ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهِ بِاجْتِهَادٍ. وَأَمَّا حِمَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَغْيِيرِهِ، جَازَ نَقْضُهُ وَرَدُّهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَى الْأَظْهَرِ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يَجُوزُ كَالْمَقْبَرَةِ وَالْمَسْجِدِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْحَامِي نَقْضُ حِمَاهُ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا نَقْضَهُ، فَأَحْيَاهُ رَجُلٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، مُلِّكَهُ وَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْإِحْيَاءِ نَقْضًا.
وَإِنِ اسْتَقَلَّ الْمُحْيِي، فَوَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ.
قُلْتُ: بَقِيَتْ مِنَ الْحِمَى مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ.
مِنْهَا: لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى أَوْ زَرَعَ فِي النَّقِيعِ، نُقِضَتْ عِمَارَتُهُ، وَقُلِعَ زَرْعُهُ وَغَرْسُهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ. مِنْهَا: أَنَّ الْحِمَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حِفَاظٌ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْقُوَّةِ مِنْ إِدْخَالِ مَوَاشِيهِمْ، وَلَا يَمْنَعَ الضُّعَفَاءَ، وَيَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِالتَّلَطُّفِ بِالضُّعَفَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: فَإِنْ كَانَ لِلْإِمَامِ مَاشِيَةٌ لِنَفْسِهِ، لَمْ يُدْخِلْهَا الْحِمَى، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ. فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ ظَلَمَ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا: لَوْ دَخَلَ الْحِمَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ، فَرَعَى مَاشِيَتَهُ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute