عُدَّ الْكُحْلُ وَالْجِصُّ مِنْهُمَا، وَهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى مَا إِذَا أَحْوَجَ إِظْهَارَهُمَا إِلَى حَفْرٍ. وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ بُقْعَةٌ، لَوْ حُفِرَتْ وَسِيقَ الْمَاءُ إِلَيْهَا ظَهَرَ فِيهَا الْمِلْحُ، فَلَيْسَتْ هِيَ مِنَ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا يَظْهَرُ بِالْعَمَلِ، فَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهَا، وَمَنْ حَفَرَهَا وَسَاقَ الْمَاءَ إِلَيْهَا، وَظَهَرَ الْمِلْحُ، مُلِّكَهَا كَمَا لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَظْهَرُ جَوْهَرُهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْمُعَالَجَةِ، كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْفَيْرُوزَجِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالرَّصَاصِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ الْمَبْثُوثَةِ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ. وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، فِي أَنَّ حَجَرَ الْحَدِيدِ وَنَحْوَهُ، مِنَ الْبَاطِنَةِ، أَمِ الظَّاهِرَةِ، لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنَ الْجَوْهَرِ بَادٍ؟ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ بَاطِنٌ، لِأَنَّ الْحَدِيدَ لَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ إِلَّا بِعِلَاجٍ، وَلَيْسَ الْبَادِي عَلَى الْحَجَرِ عَيْنَ الْحَدِيدِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُخَيِّلَتِهِ. وَلَوْ أَظْهَرَ السَّيْلُ قِطْعَةَ ذَهَبٍ، أَوْ أَتَى بِهَا، الْتَحَقَتْ بِالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ هَلْ يُمَلَّكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ؟ قَوْلَانِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَوَاتِ وَالْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ، أَظْهَرُهُمَا: لَا، رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَإِنْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ، فَذَاكَ إِذَا قَصَدَ التَّمَلُّكَ وَحَفَرَ حَتَّى ظَهَرَ النَّيْلُ. فَأَمَّا قَبْلَ الظُّهُورِ، فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ، وَهَذَا كَمَا إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَوَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ، مُلِّكَهَا إِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَاءِ. وَإِذَا اتَّسَعَ الْحَفْرُ وَلَمْ يُوجَدِ النَّيْلُ إِلَّا فِي الْوَسَطِ، أَوْ فِي بَعْضِ الْأَطْرَافِ، لَمْ يَقْصُرِ الْمِلْكُ عَلَى مَوْضِعِ النَّيْلِ، بَلْ يُمَلَّكُ أَيْضًا مِمَّا حَوَالَيْهِ مِمَّا يَلِيقُ بِحَرِيمِهِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقِفُ فِيهِ الْأَعْوَانُ وَالدَّوَابُّ. وَمَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ وَحَفَرَ، لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ وَصَلَ إِلَى الْعُرُوقِ. وَيَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ كَالْمَوَاتِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُمَلَّكُ، فَالسَّابِقُ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ، لَكِنْ إِذَا طَالَ مَقَامُهُ، فَفِي إِزْعَاجِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. وَقِيلَ: لَا يُزْعَجُ هُنَا قَطْعًا، لِأَنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ الْأَخْذُ دَفْعَةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِطَالَةِ، وَهُنَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ فَقُدِّمَ السَّابِقُ. وَلَوِ ازْدَحَمَ اثْنَانِ، فَعَلَى الْأَوْجُهِ الَّتِي هُنَاكَ. وَفِي جَوَازِ إِقْطَاعِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute