وَأَمَّا بَعْدَ السَّنَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: تُمَلَّكُ بِمُضِيِّ السَّنَةِ، فَقَدْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، وَضَمَانِهِ، وَإِلَّا، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: تَصِيرُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ إِذَا كَانَ غُرْمُ التَّمَلُّكِ مُطَّرِدًا، وَلَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ، فَالْأَصَحُّ مَا صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْبَغَوِيُّ: أَنَّهَا أَمَانَةٌ مَا لَمْ يَخْتَرِ التَّمَلُّكَ قَصْدًا، أَوْ لَفْظًا إِذَا اعْتَبَرْنَاهُ، كَمَا قَبْلَ الْحَوْلِ، لَكِنْ إِذَا اخْتَارَ وَقُلْنَا: لَا بُدَّ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْقَرْضِ. وَإِذَا قَصَدَ الْأَمَانَةَ، ثُمَّ قَصَدَ الْخِيَانَةَ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ، كَالْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ بِنِيَّةِ الْخِيَانَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِي: يَصِيرُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ الْمَالِكُ. وَمَهْمَا صَارَ الْمُلْتَقِطُ ضَامِنًا فِي الدَّوَامِ، إِمَّا بِحَقِيقَةِ الْخِيَانَةِ، أَوْ بِقَصْدِهَا، ثُمَّ أَقْلَعَ، وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ، وَيَتَمَلَّكَ، فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ.
الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ، وَلَا يَقْصِدُ خِيَانَةً، وَلَا أَمَانَةً، أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا وَيَنْسَاهُ، فَلَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ وَلَهُ التَّمَلُّكُ بِشَرْطِهِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: التَّعْرِيفُ، فَيَنْبَغِي لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَعْرِفَ اللُّقَطَةَ، وَيُعَرِّفَهَا. أَمَّا الْمَعْرِفَةُ، فَيُعْلِمُ عِفَاصَهَا، وَهُوَ الْوِعَاءُ مِنْ جِلْدٍ وَخِرْقَةٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَوِكَاءَهَا، وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ، وَجِنْسَهَا، أَذَهَبٌ أَمْ غَيْرُهُ؟ وَنَوْعَهَا، أَهَرَوِيَّةٌ، أَمْ غَيْرُهَا؟ وَقَدْرَهَا، بِوَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ وَإِنَّمَا يُعَرِّفُ هَذِهِ الْأُمُورَ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ، وَيُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِدْقِ طَالِبِهَا، وَيُسْتَحَبُّ تَقْيِيدُهَا بِالْكِتَابَةِ.
وَأَمَّا التَّعْرِيفُ، فَفِيهِ مَسَائِلُ. إِحْدَاهَا: يَجِبُ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ سَنَةً، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَعْنَى اسْتِيعَابِ السَّنَةِ، بَلْ لَا يُعَرِّفُ فِي اللَّيْلِ، وَلَا يَسْتَوْعِبُ الْأَيَّامَ أَيْضًا، بَلْ عَلَى الْمُعْتَادِ، فَيُعَرِّفُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ طَرَفَيِ النَّهَارِ، ثُمَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً، ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِحَيْثُ لَا يَنْسَى أَنَّهُ تَكْرَارٌ لِلْأَوَّلِ. وَفِي وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ بِالتَّعْرِيفِ عَلَى الْفَوْرِ وَجْهَانِ. الْأَصَحُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجُمْهُورِ: لَا يَجِبُ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ تَعْرِيفُ سَنَةٍ مَتَى كَانَ. وَهَلْ تَكْفِي سَنَةٌ مُفَرَّقَةٌ بِأَنْ يُفَرِّقَ شَهْرَيْنِ مَثَلًا، وَيَتْرُكَ شَهْرَيْنِ، وَهَكَذَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، وَبِهِ قَطَعَ الْإِمَامُ، لِأَنَّهُ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّعْرِيفِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute