بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا سَنَةً كَغَيْرِهَا، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ تَعْرِيفَهَا فِي الْمَوْسِمِ كَافٍ لِكَثْرَةِ النَّاسِ، وَبَعْدَ الْعَوْدِ فِي طَلَبِهَا مِنَ الْآفَاقِ.
قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَلْزَمُ الْمُلْتَقِطَ بِهَا الْإِقَامَةُ لِلتَّعْرِيفِ، أَوْ دَفْعُهَا إِلَى الْحَاكِمِ، فَلَا يَجِيءُ هُنَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنِ الْتَقَطَ لِلْحِفْظِ، هَلْ يَلْزَمُهُ التَّعْرِيفُ؟ بَلْ يَجْزِمُ هُنَا بِوُجُوبِهِ، لِلْحَدِيثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحُكْمُ الرَّابِعُ: رَدَّ عَيْنَهَا، أَوْ بَدَلَهَا عِنْدَ ظُهُورِ مَالِكِهَا. فَإِذَا جَاءَ مَنْ يَدَّعِيهَا، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، وَلَمْ يَصِفْهَا، لَمْ تُدْفَعْ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لَهُ، فَيَلْزَمُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ. وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً، دُفِعَتْ إِلَيْهِ. وَإِنْ وَصَفَهَا، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَظُنَّ الْمُلْتَقِطُ صِدْقَهُ، لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَعْرُوفِ، وَحَكَى الْإِمَامُ تَرَدُّدًا فِي جَوَازِ الدَّفْعِ، وَإِنْ ظَنَّ صِدْقَهُ، جَازَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَيْنِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ قَالَ الْوَاصِفُ: يَلْزَمُكَ تَسْلِيمُهَا إِلَيَّ، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ. وَلَوْ قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكِي، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ. وَلَوْ أَقَامَ الْوَاصِفُ شَاهِدًا، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ، وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ وُجُوبَهُ. وَإِذَا دَفَعَهَا إِلَى الْوَاصِفِ بِوَصْفِهِ، فَأَقَامَ غَيْرُهُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، انْتُزِعَتْ مِنْهُ وَدُفِعَتْ إِلَى الثَّانِي. وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْمُلْتَقِطُ، أَوِ الْوَاصِفُ. فَإِنْ ضَمِنَ الْوَاصِفُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. وَإِنْ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ، رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ إِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالْمِلْكِ لِلْوَاصِفِ. وَإِنْ أَقَرَّ، لَمْ يَرْجِعْ، مُؤَاخَذَةً لَهُ. هَذَا إِذَا دَفَعَ بِنَفْسِهِ. أَمَّا إِذَا أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ الدَّفْعَ إِلَى الْوَاصِفِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ تَضْمِينُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute