قَالَ: وَعَلَى هَذَا، فَمَتَى أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا، فَلِلْآخَرِ أَنْ يُنَازِعَهُ، وَيَقُولَ: يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ. وَلَوْ أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً، قُدِّمَتِ الْبَيِّنَةُ، لِأَنَّهَا حُجَّةٌ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ، وَقِيلَ: لَا يُغَيَّرُ مَا حَكَمْنَا بِهِ، وَلَا يُعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ.
فَرْعٌ
ادَّعَتِ امْرَأَتَانِ نَسَبَ لَقِيطٍ، أَوْ مَجْهُولٍ غَيْرِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ، وَقَبِلْنَا اسْتِلْحَاقَ الْمَرْأَةِ، فَفِي عَرْضِ الْوَلَدِ مَعَهُمَا عَلَى الْقَائِفِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ. وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: الْعَرْضُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ، أَوْ حُجَّةٌ، فَأَشْبَهَ الْبَيِّنَةَ، فَإِذَا أَلْحَقَهُ بِإِحْدَاهُمَا وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ، لَحِقَ زَوْجَهَا أَيْضًا كَمَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ. وَقِيلَ: لَا يَلْحَقُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
الْخَامِسَةُ: أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً بِنَسَبِهِ، وَتَعَارَضَتَا، فَفِي التَّعَارُضِ فِي الْأَمْوَالِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: التَّسَاقُطُ. فَعَلَى هَذَا تَسْقُطَانِ أَيْضًا هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُرْجَعُ إِلَى قَوْلِ الْقَائِفِ. وَقِيلَ: لَا تَسْقُطَانِ وَتُرَجَّحُ إِحْدَاهُمَا بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَلَا يُخْتَلَفُ الْمَقْصُودُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تُسْتَعْمَلَانِ بِالْوَقْفِ، أَوِ الْقِسْمَةِ، أَوِ الْقُرْعَةِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ، وَلَا يَجِيءُ هُنَا الْوَقْفُ لِلْإِضْرَارِ بِالطِّفْلِ وَلَا الْقِسْمَةُ، فَلَا مَجَالَ لَهَا فِي النَّسَبِ، وَلَا تَجِيءُ الْقُرْعَةُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ النَّسَبَ، وَأَثْبَتَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ. وَلَوِ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ، لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَتُهُ بِهَا. وَفِي «الْإِفْصَاحِ» لِلْمَسْعُودِيِّ، وَ «أَمَالِي» أَبِي الْفَرَجِ الزَّازِ: أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ مِنْ سَنَةٍ، وَالثَّانِي بَيِّنَةً أَنَّهُ فِي يَدِهِ مِنْ شَهْرٍ، وَتَنَازَعَا فِي نَسَبِهِ، فَصَاحِبُ السَّنَةِ مُقَدَّمٌ، لَكِنْ هَذَا كَلَامٌ غَيْرُ مُهَذَّبٍ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّسَبِ. وَإِنْ فُرِضَ تَعْرِضُ الْبَيِّنَتَيْنِ لِنَفْسِ النَّسَبِ، فَلَا مَجَالَ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فِيهِ. وَإِنْ شَهِدَتَا عَلَى الِاسْتِلْحَاقِ، فَيُبْنَى عَلَى أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ مِنْ شَخْصٍ هَلْ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنَ الِاسْتِلْحَاقِ بَعْدُ؟ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute