للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنِ انْتَهَى، تَرَدَّدْنَا إِنْ لَمْ يَعْتَرِفِ الْمُلْتَزِمُ بِحُرِّيَّتِهِ، فَنَحْكُمُ لَهُ بِالْمِلْكِ فِيمَا نُصَادِفُهُ فِي يَدِهِ جَزْمًا. وَإِذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ، أَخَذْنَا مِنْهُ الضَّمَانَ وَصَرَفْنَاهُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَالَ الْمَعْصُومَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُتْلِفِ، فَلَيْسَ التَّضْمِينُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَطْعًا، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ الْخَطَأُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَطْعًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُبْذَلُ إِلَّا عَنْ تَحَقُّقٍ. وَلَوْ قُتِلَ اللَّقِيطُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ خِلَافًا، وَيَنْضَمُّ إِلَيْهِ التَّرَدُّدُ فِي الْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ لَا يَجْزِمُ الْقَوْلَ بِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ، لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ، وَيُوجِبُهُ عَلَى الرَّقِيقِ الْكَافِرِ. وَمَنْ يَجْزِمُ بِهِمَا، يُخْرِجُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى قَوْلَيْنِ - بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ - الْأَظْهَرُ: وَجُوبُهُ. وَإِذَا قُتِلَ خَطَأً، فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الدِّيَةِ، وَالْقِيمَةِ فِي الثَّانِي، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ نُوجِبَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْدًا، وَدِيَةَ مَجُوسِيٍّ، لِإِمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَى التَّمَجُّسِ، وَقَدْ يُرَتَّبُ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَةِ فَيُقَالُ: إِنْ لَمْ نُوجِبِ الدِّيَةَ، فَالْقِصَاصُ أَوْلَى، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ رِقَّهُ، وَلَا بَيِّنَةَ. وَمَنِ ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ لَا تُتَيَقَّنُ حُرِّيَّتُهُ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، لِإِمْكَانِهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحَرِيَّةُ، فَلَا تُتْرَكُ إِلَّا بِحُجَّةٍ، بِخِلَافِ النَّسَبِ، فَإِنَّ قَبُولَهُ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ وَثُبُوتُ حَقٍّ لَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَقَدْ عَرَفْنَا اسْتِنَادَهَا إِلَى الْتِقَاطِهِ، فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ كَيَدِ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ، وَكَمَا لَوِ الْتَقَطَ مَالًا وَادَّعَاهُ، وَلَا مُنَازِعَ، يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ. وَأَظْهَرُهُمَا: لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَيُخَالِفُ الْمَالَ، فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ وَلَيْسَ فِي دَعْوَاهُ تَغْيِيرُ صِفَةٍ لَهُ، وَاللَّقِيطُ حُرٌّ ظَاهِرًا، وَفِي دَعْوَاهُ تَغْيِيرُ صِفَةٍ. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهَا إِلَى الِالْتِقَاطِ، حُكِمَ لِصَاحِبِهَا بِالرِّقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>