وَحُمَّى الْأَخَوَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمَيْنِ وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ. وَالرِّبْعُ، وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي يَوْمًا وَتُقْلِعُ يَوْمَيْنِ. فَمَا سِوَى الرِّبْعِ وَالْغِبِّ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، مَخُوفٌ. وَالرِّبْعُ عَلَى تَجَرُّدِهَا غَيْرُ مَخُوفَةٍ ; لِأَنَّ الْمَحْمُومَ يَأْخُذُ قُوَّتَهُ فِي يَوْمِ الْإِقْلَاعِ. وَفِي الْغِبِّ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: مَخُوفَةٌ، وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» . - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَأَمَّا الْحُمَّى الْيَسِيرَةُ، فَغَيْرُ مَخُوفَةٍ بِحَالٍ.
وَمِنْهَا: الدِّقُّ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْقَلْبَ، وَلَا تَمْتَدُّ مَعَهُ الْحَيَاةُ غَالِبًا، وَهُوَ مَخُوفٌ. وَمِنْهَا: قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ سَاوَرَهُ الدَّمُ حَتَّى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ، أَوِ الْمُرَارُ أَوِ الْبَلْغَمُ، كَانَ مَخُوفًا. وَقَالَ أَيْضًا: الطَّاعُونُ مَخُوفٌ حَتَّى يَذْهَبَ. وَقَوْلُهُ: «سَاوَرَهُ» بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: وَاثَبَهُ وَهَاجَ بِهِ. وَالْمُرَارُ: الصَّفْرَاءُ، فَهَيَجَانُ الصَّفْرَاءِ وَالْبَلْغَمِ، مَخُوفٌ. وَكَذَا هَيَجَانُ الدَّمِ، بِأَنْ يَثُورَ وَيَنْصَبَّ إِلَى عُضْوٍ، كَيَدٍ، وَرِجْلٍ، فَتَحْمَرَّ وَتَنْتَفِخَ، [وَقَدْ يَذْهَبُ الْعُضْوُ إِنْ لَمْ يُتَدَارَكْ أَمْرُهُ فِي الْحَالِ وَإِنْ سَلِمَ الشَّخْصُ] ، وَقَوْلُهُ: «حَتَّى تَغَيَّرَ عَقْلُهُ» لَيْسَ مَذْكُورًا شَرْطًا، بَلْ هُوَ مَخُوفٌ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْعَقْلُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْأُمِّ» . وَالطَّاعُونُ فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ انْصِبَابِ الدَّمِ إِلَى عُضْوٍ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: إِنَّهُ هَيَجَانُ الدَّمِ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَانْتِفَاخُهُ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْجُذَامِ، مَنْ أَصَابَهُ تَآكَلَتْ أَعْضَاءُهُ وَتَسَاقَطَ لَحْمُهُ.
وَمِنْهَا: الْجِرَاحَةُ، إِنْ كَانَتْ عَلَى مَقْتَلٍ، أَوْ نَافِذَةً إِلَى جَوْفٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ كَثِيرِ اللَّحْمِ، أَوْ لَهَا ضَرَبَانٌ شَدِيدٌ، أَوْ حَصَلَ مَعَهَا تَآكُلٌ، أَوْ وَرَمٌ، فَهِيَ مَخُوفَةٌ، وَإِلَّا فَلَا [وَقِيلَ: الْوَرَمُ وَحْدَهُ لَا يَجْعَلُهَا مَخُوفَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ التَّآكُلُ. وَمِنْهَا: الْقَيْءُ إِنْ كَانَ مَعَهُ دَمٌ أَوْ بَلْغَمٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الْأَخْلَاطِ، فَمَخُوفٌ، وَإِلَّا فَلَا] إِلَّا أَنْ يَدُومَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute