فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْمُشَاوَرَةَ، فَلَمْ يُشِيرُوا بِشَيْءٍ، اسْتَقَلَّ السُّلْطَانُ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي وُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ فِي تَزْوِيجِ الْمَجْنُونِ. ثُمَّ مَنْ وَلِيَ نِكَاحَهَا مِنَ السُّلْطَانِ أَوِ الْقَرِيبِ، يُزَوِّجُ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ بِأَنْ تَظْهَرَ عَلَامَاتُ غَلَبَةِ شَهْوَتِهَا، أَوْ يَقُولَ أَهْلُ الطِّبِّ: يُرْجَى بِتَزْوِيجِهَا الشِّفَاءُ.
أَمَّا إِذَا لَمْ تَظْهَرْ، وَأَرَادَ التَّزْوِيجَ لِكِفَايَةِ النَّفَقَةِ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى، فَهَلْ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لِلْأَبِ بِمُجَرَّدِ الْمَصْلَحَةِ؟ أَمْ لَا لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا يَقَعُ إِجْبَارًا وَلَيْسَ هُوَ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. قَالَ الْإِمَامُ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ وَالْجَدِّ.
فَرْعٌ
الْبَالِغُ الْمُنْقَطِعُ جُنُونُهُ، لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ حَتَّى يُفِيقَ فَيَأْذَنَ، وَيُشْتَرَطُ وُقُوعُ الْعَقْدِ فِي حَالِ إِفَاقَتِهِ. فَلَوْ عَادَ الْجُنُونُ قَبْلَ الْعَقْدِ، بَطَلَ الْإِذْنُ، كَمَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالْجُنُونِ، وَهَكَذَا الثَّيِّبُ الْمُنْقَطِعُ جُنُونُهَا. وَأَمَّا الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بِمَرَضٍ، فَتُنْتَظَرُ إِفَاقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تُتَوَقَّعْ إِفَاقَتُهُ، فَكَالْمَجْنُونِ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ: السَّفَهُ. فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّزَوُّجِ، بَلْ يُرَاجِعُ الْوَلِيَّ لِيَأْذَنَ أَوْ يُزَوِّجَهُ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فَتَزَوَّجَ، جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالصَّبِيِّ.
فَعَلَى الصَّحِيحِ، إِنْ عَيَّنَ لَهُ امْرَأَةً، لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ غَيْرِهَا، وَلْيَنْكِحْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ. فَإِنْ زَادَ، فَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلًا مُخَرَّجًا: أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ. وَالْمَشْهُورُ صِحَّتُهُ، لِأَنَّ خَلَلَ الصَّدَاقِ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ. فَعَلَى هَذَا، تَبْطُلُ الزِّيَادَةُ، وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى وَوُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute