مِثَالُهُ: كَانَ الصَّدَاقُ أَلْفًا، فَقَالَ: بِعْتُكِ بِأَلْفٍ غَيْرَ الصَّدَاقِ، أَوْ بِأَلْفَيْنِ، أَوْ أَطْلَقَ فَقَالَ: بِعْتُكِ بِأَلْفٍ. وَلَوِ اخْتَلَفَ جِنْسُ الصَّدَاقِ، فَلَا شَكَّ فِي الْمُغَايَرَةِ. وَلَوْ دَفَعَ عَيْنًا إِلَى عَبْدِهِ لِيَجْعَلَهَا صَدَاقَ مَنْ يَنْكِحُهَا، فَفَعَلَ، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدُ بِتِلْكَ الْعَيْنِ، فَهُوَ بَيْعٌ بِالْعَيْنِ.
إِذًا عَرَفْتَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، فَالْبَيْعُ بِعَيْنِ الصَّدَاقِ، إِمَّا أَنْ يَجْرِيَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِمَّا بَعْدَهُ.
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ يَجْرِيَ قَبْلَهُ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إِنَّهُ يَسْقُطُ كُلُّ الْمَهْرِ، لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، بَلْ يَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ ; لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ لَمَلَكَتْ زَوْجَهَا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَسَقَطَ الْمَهْرُ، وَعُرِّيَ الْبَيْعُ عَنِ الْعِوَضِ وَبَطَلَ، فَتَصْحِيحُهُ يُؤَدِّي إِلَى بُطْلَانِهِ، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يَجِبُ عِنْدِي أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلَ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ الْبَيْعَ وَارْتِفَاعَ النِّكَاحِ لَا يَقَعَانِ مَعًا، بَلْ يَكُونُ الْفَسْخُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَحُصُولِ الْمِلْكِ حَتَّى لَا يَحْكُمَ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي. وَإِذَا كَانَ الِانْفِسَاخُ عَقِيبَ الْبَيْعِ وَالْمِلْكِ، كَانَ فِي زَوَالِ مِلْكِهَا عَنِ الصَّدَاقِ مَعَ حُصُولِ مِلْكِهَا فِي الرَّقَبَةِ، فَلَا يَبْطُلُ الثَّمَنُ بِالِانْفِسَاخِ، بَلْ أَثَّرَ الِانْفِسَاخُ الرُّجُوعَ إِلَى بَدَلِ الصَّدَاقِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ، نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَجْهًا. وَإِنْ قُلْنَا: إِنْ تَمَلَّكَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، يَقْتَضِي تَنْصِيفَ الْمَهْرِ، بُنِيَ عَلَى خِلَافٍ سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ إِذَا جَرَى بَعْدَ الدُّخُولِ. فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحِ الْبَيْعَ هُنَاكَ، فَكَذَا هُنَا، وَإِلَّا بَطَلَ الْبَيْعُ هُنَا فِي نِصْفِ الْعَبْدِ، وَيَخْرُجُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَإِنْ فَرَّقْنَا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ. هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي جَمِيعِهِ لَا مَحَالَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute