الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَجْرِيَ الْبَيْعُ بِعَيْنِ الصَّدَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَيُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ عَبْدًا لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، هَلْ يَسْقُطُ ذَلِكَ الدَّيْنُ؟ إِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إِنَّهُ لَا يَسْقُطُ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَتَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً لِلْمَهْرِ الْمُسْتَقِرِّ بِالدُّخُولِ، وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَسْقُطُ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْعَبْدِ، فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمْ لَا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الصِّحَّةُ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَنَقَلَهُ الْقَفَّالُ عَنْ شُيُوخِ الْأَصْحَابِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّ سُقُوطَ الْمَهْرِ هُنَاكَ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَقْبُوضًا، وَجَبَ رَدُّهُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ ثَمَنًا، وَهُنَا السُّقُوطُ بِحُدُوثِ الْمِلْكِ. وَإِذَا جُعِلَ ثَمَنًا، فَكَأَنَّهَا اسْتَوْفَتِ الصَّدَاقَ قَبْلَ لُزُومِ الْبَيْعِ، فَلَيْسَ لَهَا بَعْدَمَا مَلَكَتِ الزَّوْجَ صَدَاقٌ فِي رَقَبَتِهِ حَتَّى يَسْقُطَ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إِذَا اشْتَرَتْ زَوْجَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ. فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَتْهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، أَوْ كَانَتْ مَأْذُونًا لَهَا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَتْهُ لِلتِّجَارَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَسْتَمِرُّ النِّكَاحُ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ اشْتَرَتْ بِعَيْنِ الصَّدَاقِ أَمْ بِغَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ، لَكِنْ إِذَا اشْتَرَتْهُ بِعَيْنِ الصَّدَاقِ، بَرِئَ السَّيِّدُ وَالْعَبْدُ ; لِأَنَّ الْكَفِيلَ إِذَا أَدَّى بَرِئَ الْأَصِيلُ، وَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ عَنْهُ دِينًا آخَرَ أَدَّاهُ فِي رِقِّهِ [وَإِنِ] اشْتَرَتْهُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ، فَفِي سُقُوطِ الصَّدَاقِ عَلَى الْعَبْدِ لِكَوْنِ سَيِّدِهَا مَلَكَهُ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ الْوَجْهَانِ الْمُتَكَرِّرَانِ، فَإِنْ سَقَطَ، بَرِئَ سَيِّدُهُ الْبَائِعُ عَنِ الضَّمَانِ لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ، وَيَبْقَى الثَّمَنُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ، وَإِلَّا، فَلِسَيِّدِ الْأَمَةِ عَلَى بَائِعِ الْعَبْدِ الصَّدَاقُ، وَلِلْبَائِعِ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصِّ، فَإِذَا تَقَاصَّا، بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْعَبْدِ عَنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ بِالتَّقَاصِّ اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنَ الْبَائِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute