الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: زُوِّجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا لِكَوْنِهَا مُجْبَرَةً، فَوَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا، وَيُحْكَمُ بِانْدِفَاعِ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ ; لِأَنَّ قَوْلَهَا مُحْتَمَلٌ وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِنَقِيضِهِ، فَصَارَ كَقَوْلِهَا فِي الِابْتِدَاءِ: هُوَ أَخِي لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا بِهِ.
وَالثَّانِي قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَحُكِيَ عَنِ اخْتِيَارِ ابْنِ سُرَيْجٍ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا اسْتِدَامَةً لِلنِّكَاحِ الْجَارِي عَلَى الصِّحَّةِ ظَاهِرًا وَلِئَلَّا تَتَّخِذَهُ الْفَاسِقَاتُ ذَرِيعَةً إِلَى الْفِرَاقِ.
وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَيْضًا، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ عَبْدًا أَوْ عَقَارًا عَلَى مَالِكِهِ الْغَائِبِ بِسَبَبٍ اقْتَضَاهُ، ثُمَّ جَاءَ الْمَالِكُ وَقَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُ الْعَبْدَ أَوْ وَقَفْتُ الْعَقَارَ أَوْ بِعْتُهُ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَنُقِضَ بَيْعُ الْقَاضِي، وَرُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ تَوْكِيلِهِ، ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ نَقِيضُهُ، وَمُقْتَضَى حِكَايَتِهِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صُورَةِ بَيْعِ الْحَاكِمِ، لَكِنَّ الْإِمَامَ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ، وَلَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْأَبُ أَوِ السَّيِّدُ مَحْرَمِيَّةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ ; لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: وَلَوْ قَالَ بَعْدَ تَزْوِيجِهِ أَمَتَهُ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهَا، حُكِمَ بِعِتْقِهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا لَوْ أَجَّرَّ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ، وَيُغَرَّمُ لِلْعَبْدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ ظُلْمًا، كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ غَصَبْتُهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْبَيْعِ، وَيُغَرُّمُ قِيمَتَهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَالْخِلَافُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، فِي أَنَّهَا هَلْ تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا؟ وَأَمَّا دَعْوَاهَا، فَتُسْمَعُ بِلَا خِلَافٍ. وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا بِلَا خِلَافٍ. وَالْكَلَامُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، فِي رَدِّ الدَّعْوَى مِنْ أَصْلِهَا، وَأَنَّ الْإِذْنَ وَالرِّضَى بِالتَّزْوِيجِ إِنَّمَا يُؤَثِّرُ إِذَا أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute