للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِالْحَبْسِ الطَّوِيلِ، وَبِتَخْوِيفِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ بِالصَّفْعِ فِي الْمَلَأِ، وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ وَالطَّوْفِ بِهِ فِي السُّوقِ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ التَّخْوِيفُ بِالْحَبْسِ وَمَا بَعْدَهُ إِكْرَاهًا، وَطُرِدَ هَذَا الْخِلَافُ فِي التَّخْوِيفِ بِقَتْلِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَالصَّحِيحُ فِي الْجَمِيعِ، أَنَّهُ إِكْرَاهٌ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّخْوِيفَ بِإِتْلَافِ الْمَالِ لَيْسَ إِكْرَاهًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى قَتْلٍ فَالتَّخْوِيفُ بِالْحَبْسِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ، وَإِتْلَافِ الْمَالِ لَيْسَ إِكْرَاهًا. وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَى إِتْلَافِ مَالٍ، فَالتَّخْوِيفُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إِكْرَاهًا. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ التَّخْوِيفُ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إِكْرَاهًا فِي إِتْلَافِ الْمَالِ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ الْإِكْرَاهَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالتَّخْوِيفِ بِعُقُوبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الْمُكْرَهِ، بِحَيْثُ لَوْ حَقَّقَهَا تَعَلَّقَ بِهِ قِصَاصٌ، فَيَخْرُجُ عَنْهُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ، كَأَخْذِ الْمَالِ وَقَتْلِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالضَّرْبِ الْخَفِيفِ، وَالْحَبْسِ الْمُؤَبَّدِ، إِلَّا أَنْ يُخَوِّفَهُ بِحَبْسٍ فِي قَعْرِ بِئْرٍ يَغْلِبُ مِنْهُ الْمَوْتُ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا.

الْوَجْهُ السَّابِعُ: لَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ إِلَّا بِعُقُوبَةٍ شَدِيدَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ، وَالضَّرْبُ الشَّدِيدُ، وَالتَّجْوِيعُ وَالتَّعْطِيشُ، وَالْحَبْسُ الطَّوِيلُ، وَيَخْرُجُ مَا خَرَجَ عَنِ الْوَجْهِ السَّادِسِ، وَيَخْرُجُ عَنْهُ التَّخْوِيفُ بِالِاسْتِخْفَافِ بِإِلْقَاءِ الْعِمَامَةِ وَالصَّفْعِ، وَمَا يُخِلُّ بِالْجَاهِ. وَاسْتَبْعَدَ الْإِمَامُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، دُخُولَ الْحَبْسِ وَخُرُوجَ قَتْلِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا التَّخْوِيفُ بِالنَّفْيِ عَنِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ تَفْرِيقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، فَكَالْحَبْسِ الدَّائِمِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: إِكْرَاهٌ، لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْوَطَنِ شَدِيدَةٌ، وَلِهَذَا جُعِلَتْ عُقُوبَةً لِلزَّانِي، وَجَعَلَ الْبَغْوَيُّ التَّخْوِيفَ بِاللِّوَاطِ، كَالتَّخْوِيفِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ، وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ. وَقَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِكْرَاهًا عَلَى الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ. وَفِي كَوْنِهِ إِكْرَاهًا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ الْمُنْتَشِرِ، هُوَ الْوَجْهُ الْخَامِسُ، لَكِنْ فِي بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>