فَإِمَّا أَنْ يُعَيِّنَ بِقَلْبِهِ وَاحِدَةً، وَإِمَّا لَا، فَإِنْ عَيَّنَ، فَهُوَ مُؤْلٍ مِنْهَا وَحْدَهَا، لَكِنَّ الْأَمْرَ فِي الظَّاهِرِ مُبْهَمٌ، فَيُقَالُ لَهُ بَعْدَ الْمُدَّةِ: بَيِّنِ الَّتِي أَرَدْتَهَا، فَإِنْ بَيَّنَ، فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَطَالَبَتَاهُ جَمِيعًا، قَالَ لَهُ الْقَاضِي: فِئْ إِلَى الَّتِي آلَيْتَ مِنْهَا، أَوْ طَلِّقْهَا، فَإِنِ امْتَنَعَ، طَلَّقَ الْقَاضِي إِحْدَاهُمَا عَلَى الْإِبْهَامِ، تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَى الْمُؤْلِي إِذَا امْتَنَعَ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ الْحَدَّادِ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ، قَالَ: لَا يُطَلِّقُ الْقَاضِي إِحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً، لِأَنَّهُمَا مُعْتَرِفَتَانِ بِالْإِشْكَالِ، فَدَعْوَاهُمَا غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، كَمَا لَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَ: لِأَحَدِنَا عَلَى هَذَا أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَزَادَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ: هَذَا إِذَا جَاءَتَا مَعًا وَادَّعَتَا كَذَلِكَ، فَلَوِ انْفَرَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ، وَقَالَتْ: آلَى مِنِّي، فَإِنْ أَقَرَّ بِمَا قَالَتَا، أَخَذَ بِمُوجِبِ إِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَذَّبَ الْأُولَى، تَعَيَّنَ الْإِيلَاءُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَصْحَابِ: قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ صَحِيحٌ، لِحُصُولِ الضَّرَرِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى إِهْمَالِ الْوَاقِعَةِ، وَلَا إِلَى طَلَاقِ مُعَيَّنَةٍ، فَعَلَى هَذَا، إِذَا طَلَّقَ الْقَاضِي، فَقَالَ الزَّوْجُ: رَاجَعْتُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ، فَفِي صِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الرَّجْعَةِ، وَبِالصِّحَّةِ أَجَابَ ابْنُ الْحَدَّادِ، فَعَلَى هَذَا تُضْرَبُ الْمُدَّةُ مَرَّةً أُخْرَى، وَيُطَلِّقُ الْقَاضِي مَرَّةً أُخْرَى عَلَى الْإِبْهَامِ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّلَاثَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ عَلَى الْإِبْهَامِ، بَلْ تُبَيَّنُ الْمُطَلَّقَةُ، ثُمَّ يُرَاجِعُهَا إِنْ شَاءَ. فَلَوْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ الْبَيَانِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لَا يُحْكَمُ بِطَلَاقِ الْأُخْرَى، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ الَّتِي نَوَاهَا هِيَ الْمَوْطُوءَةُ أَمِ الْأُخْرَى، وَيَبْقَى الْأَمْرُ بِالْبَيَانِ كَمَا كَانَ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْأُخْرَى، لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَتُطَالِبْهُ الْأُخْرَى بِالْفَيْأَةِ أَوِ الطَّلَاقِ.
فَإِنْ وَطِئَهَا، طُلِّقَتِ الْمَوْطُوءَةُ الْأُولَى، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الْإِيلَاءَ مِنَ الْمَوْطُوءَةِ، طُلِّقَتِ الْأُخْرَى، وَخَرَجَ عَنْ مُوجَبِ الْإِيلَاءِ، هَذَا إِذَا عَيَّنَ بِقَلْبِهِ إِحْدَاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ مُعَيَّنَةً، فَالَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْبَغَوِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute