فَرْعٌ
لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُعْتَقَ عَنِ الْمُسْتَدْعِي يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ إِذْ لَا عِتْقَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَمَتَى يَدْخُلُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا يَمْلِكُهُ بِالِاسْتِدْعَاءِ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ إِذَا تَلَفَّظَ الْمَالِكُ بِالْإِعْتَاقِ، وَالثَّانِي: يُمْلَكُ بِالشُّرُوعِ فِي لَفْظِ الْإِعْتَاقِ، وَيُعْتَقُ إِذَا تَمَّ اللَّفْظُ. وَالثَّالِثُ: يَحْصُلُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ مَعًا عِنْدَ تَمَامِ اللَّفْظِ. وَأَصَحُّهَا: أَنَّ الْعِتْقَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ، وَأَنَّ حُصُولَ الْمِلْكِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى آخِرِ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ. ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَأَكْثَرُ الَّذِينَ اخْتَارُوا هَذَا الْوَجْهَ: إِنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ عَقِبَ الْفَرَاغِ مِنْ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ عَلَى الِاتِّصَالِ، وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّفْظِ.
وَجَعَلَ الْإِمَامُ اخْتِلَافَ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ رَاجِعًا إِلَى اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ، فِي أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ، يَثْبُتُ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنَ اللَّفْظِ، أَمْ بَعْدَ تَمَامِ أَجْزَائِهِ عَلَى الِاتِّصَالِ؟ فَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَبِي حَامِدٍ، عَلَى الثَّانِي، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ إِشْكَالٌ سِوَى تَأَخُّرِ الْعِتْقِ عَنِ الْإِعْتَاقِ بِقَدْرِ تَوَسُّطِ الْمِلْكِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَسَبَبُ تَأَخُّرِهِ، أَنَّهُ إِعْتَاقٌ عَنِ الْغَيْرِ، وَمَعْنَى الْإِعْتَاقِ عَنِ الْغَيْرِ، انْتِقَالُ الْمِلْكِ إِلَيْهِ، وَإِيقَاعُ الْعِتْقِ بَعْدَهُ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ عَنِ الْإِعْتَاقِ بِأَسْبَابٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُ عَبْدِي عَنْكَ بِكَذَا، لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُوجَدَ الْقَبُولُ.
قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى كَذَا، فَفَعَلَ، ثُمَّ ظَهَرَ بِالْعَبْدِ عَيْبٌ، لَمْ يَبْطُلِ الْعِتْقُ، بَلْ يَرْجِعُ الْمُسْتَدْعِي بِأَرْشِ الْعَيْبِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ عَنِ الْكَفَّارَةِ، لَمْ تَسْقُطْ بِهِ الْكَفَّارَةُ.
فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَ: أَعْتَقْتُهُ عَنْكَ مَجَّانًا، عَتَقَ عَنِ الْمُعْتِقِ دُونَ الْمُسْتَدْعِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute