الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: الصِّيَامُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) الْآيَةَ. فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، فَوَاجِبُهُ الْإِعْتَاقُ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى خِدْمَتِهِ، لِزَمَانَتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ، أَوْ كِبَرِهِ، أَوْ ضَخَامَتِهِ الْمَانِعَةِ مَنْ خِدْمَتِهِ نَفْسَهُ، فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُرُوءَاتِ وَمَنْصِبُهُ يَأْبَى أَنْ يَخْدِمَ نَفْسَهُ وَأَنْ يُبَاشِرَ الْأَعْمَالَ الَّتِي يُسْتَخْدَمُ فِيهَا الْمَمَالِيكُ، لَمْ يُكَلَّفْ صَرْفَهُ إِلَى الْكَفَّارَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ، لَزِمَهُ الْإِعْتَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ عَبْدٌ وَوَجَدَ ثَمَنَهُ، لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ وَالْإِعْتَاقُ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ، لِنَفَقَتِهِ وَكُسْوَتِهِ، وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَكُسْوَتِهِمْ، وَعَنِ الْمَسْكَنِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْأَثَاثِ، وَلَمْ يُقَدِّرِ الْأَصْحَابُ لِلنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ مُدَّةً، وَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ كِفَايَةَ الْعُمُرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ سَنَةً، لِأَنَّ الْمُؤْنَاتِ تَتَكَرَّرُ فِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ: يَتْرُكُ لَهُ ثَوْبَ الشِّتَاءِ، وَثَوْبَ الصَّيْفِ.
قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي، هُوَ الصَّوَابُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ مَلَكَ دَارًا وَاسِعَةً يَفْضُلُ بَعْضُهَا عَنْ حَاجَتِهِ، وَأَمْكَنَ بَيْعُ الْفَاضِلِ، لَزِمَهُ بَيْعُهُ وَتَحْصِيلُ رَقَبَةٍ. وَلَوْ كَانَتْ دَارًا نَفِيسَةً يَجِدُ بِثَمَنِهَا مَسْكَنًا يَكْفِيهِ وَيَفْضُلُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ، أَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ نَفِيسٌ يَجِدُ بِثَمَنِهِ عَبْدًا يَخْدِمُهُ، وَآخَرَ يُعْتِقُهُ، لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَالْإِعْتَاقُ إِنْ لَمْ يَكُونَا مَأْلُوفَيْنِ، وَإِلَّا أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ نَفِيسٌ يَجِدُ بِثَمَنِهِ ثَوْبًا يَلِيقُ بِهِ، وَعَبْدًا يُعْتِقُهُ، لَزِمَهُ الْإِعْتَاقُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْخِلَافِ.
قُلْتُ: قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ، بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعْتَاقُ فِي الْعَبْدِ النَّفِيسِ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» عَنِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute