فَرْعٌ
قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، فَإِنْ أَرَادَ زِنًا وَاحِدًا، فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ إِلَّا بِفَاحِشَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ حُدَّ مَرَّةً، فَأَعَادَ، عُزِّرَ لِلْإِيذَاءِ، وَلَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِ. وَإِنْ قَذَفَ بِزِنًا آخَرَ، كَقَوْلِهِ: زَنَيْتِ بِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ: زَنَيْتِ بِآخَرَ، فَقَوْلَانِ. الْجَدِيدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْقَدِيمِ: يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ. وَالْقَدِيمُ الْآخَرُ: يَتَعَدَّدُ الْحَدُّ. وَرَأَى ابْنُ كَجٍّ الْقَطْعَ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، فَإِذَا قُلْنَا: حَدٌّ وَاحِدٌ، فَقَذَفَ فَحُدَّ، ثُمَّ قَذَفَ ثَانِيًا، فَهَلْ يُحَدُّ ثَانِيًا أَمْ يُعَزَّرُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالْحَدِّ الْأَوَّلِ؟ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ كَجٍّ: الصَّحِيحُ مِنْهُمَا التَّعْزِيرُ.
وَلَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا بِزَنْيَتَيْنِ، فَفِي التَّعْدَادِ وَالِاتِّحَادِ هَذَا الْخِلَافُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ، كَفَى لِعَانٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَدَّدُ اللِّعَانُ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْحَدِّ، وَأَصَحُّهُمَا: يَكْفِي لِعَانٌ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَإِذَا كَانَ الْحَقَّانِ لِوَاحِدٍ، كَفَى يَمِينٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي اللِّعَانِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزَّنْيَتَيْنِ. وَإِنْ سَمَّى الزَّانِيَيْنِ، ذَكَرَهُمَا فِي اللِّعَانِ، فَلَوْ وَقَعَ أَحَدُ الْقَذْفَيْنِ فِي الزَّوْجِيَّةِ، وَالْآخَرُ خَارِجَهَا، فَلَهُ صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَقْذِفَ أَجْنَبِيَّةً، ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ، ثُمَّ يَقْذِفَهَا. فَيُنْظَرُ إِنْ قَذَفَهَا بِالزِّنَا الْأَوَّلِ، لَمْ يَجِبْ إِلَّا حَدٌّ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْقَاطُهُ بِاللِّعَانِ، وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنًا آخَرَ، فَفِي تَعَدُّدِ الْحَدِّ وَاتِّحَادِهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا بِزَنْيَتَيْنِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالتَّعَدُّدِ، لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا، لِأَنَّ الثَّانِي يَسْقُطُ بِاللِّعَانِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَصَارَا كَحَدَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلَا تَدَاخُلَ مَعَ الِاخْتِلَافِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَرْجَحُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ. وَرَجَّحَ آخَرُونَ طَرِيقَةَ الْقَوْلَيْنِ، قَالُوا: وَمُوجَبُ الْقَذْفَيْنِ الْحَدُّ، وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي طَرِيقِ الْخَلَاصِ مِنْهُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالِاتِّحَادِ، فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ، حُدَّ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا، وَإِنْ لَاعَنَ لِلثَّانِي حُدَّ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ حُدَّ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُلَاعِنَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute