الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي التَّغْلِيظَاتِ.
فَمِنْهَا: التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ، بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ أَكِيدٌ، فَلْيُؤَخَّرْ إِلَى عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ.
وَمِنْهَا: التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ، بِأَنْ يُلَاعِنَ فِي أَشْرَفِ مَوَاضِعِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ وَالْمَقَامِ. وَقَدْ يُقَالُ: بَيْنَ الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ، وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَقَالَ الْقَفَّالُ: فِي الْحِجْرِ.
وَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَقِيلَ: لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَيُلَاعِنُ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ، وَهُوَ الْكَنِيسَةُ لِلْيَهُودِ، وَالْبَيْعَةُ لِلنَّصَارَى، وَهَلْ يَأْتِي الْحَاكِمُ بَيْتَ النَّارِ فِي لِعَانِ الْمَجُوسِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا، بَلْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا يَأْتِي بَيْتَ الْأَصْنَامِ فِي لِعَانِ الْوَثَنِيِّينَ، لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْحُرْمَةِ، وَاعْتِقَادُهُمْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بِخِلَافِ الْمَجُوسِ، بَلْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
وَصُوْرَتُهُ أَنْ يَدْخُلُوا دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ، وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَهِيَ ذِمِّيَّةً، لَاعَنَ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُعَظِّمُهُ. فَإِنْ قَالَتْ: أُلَاعِنُ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ، جَازَ، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَتَلَاعَنَ الذِّمِّيَّانِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.
وَمِنْهَا التَّغْلِيظُ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَلَدِ وَصُلَحَائِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ، وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ. وَمِنْهَا التَّغْلِيظُ بِاللَّفْظِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي «الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ فِي وُجُوبِ التَّغْلِيظِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَاسْتِحْبَابِهِ، طُرُقٌ، وَالْمَذْهَبُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْجَمِيعِ.
فَرْعٌ
مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا، كَالدَّهْرِيِّ، وَالزِّنْدِيقِ، هَلْ يُغَلَّظُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ؟ وَجْهَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute