فِي الْعِدَّةِ لِاسْتِقْبَالِ الْهِلَالِ. وَالْمَفْهُومُ مِمَّا قَالُوا تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ النَّاسِيَةِ، وَلَكِنْ يُحْسَبُ كُلُّ شَهْرٍ قَرْءًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا. وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْأَشْهُرَ أَصْلٌ فِي حَقِّهَا، كَمَا فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ تَدْخُلَ فِي الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَيَكُونَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ ذَاتَ الْأَشْهُرِ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَتِ الْمُتَحَيِّرَةُ الْمُنْقَطِعَةُ الدَّمِ، تَرَى يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا نَقَاءً، لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ أَمْ بِالسَّحْبِ.
وَالْأَطْهَارُ النَّاقِصَةُ الْمُتَخَلِّلَةُ لَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ بِحَالٍ.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَنْ لَمْ تَرَ دَمًا لِيَأْسٍ، وَصِغَرٍ، أَوْ بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ أَوْ جَاوَزَتْهُ وَلَمْ تَحِضْ، فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ حَيْضًا قَطُّ وَلَا نِفَاسًا، فَهَلْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، أَمْ هِيَ كَمَنِ انْقَطَعَ حَيْضُهَا بِلَا سَبَبٍ؟ وَجْهَانِ. وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الْعَدَدِ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: أَنَّ الَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ، إِذَا وَلَدَتْ وَنَفَسَتْ، تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَجْعَلُهَا النِّفَاسُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَجَزَمَ الْبَغَوِيُّ بِهَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ خِلَافًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِنَّ الْأَشْهُرَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْهِلَالِ، وَعَلَيْهِ الْمَوَاقِيتُ الشَّرْعِيَّةُ، وَإِنِ انْطَبَقَ الطَّلَاقُ عَلَى أَوَّلِ الْهِلَالِ، فَذَاكَ، وَإِنِ انْكَسَرَ، اعْتُبِرَ شَهْرَانِ بِالْهِلَالِ، وَيُكَمَّلُ الْمُنْكَسِرُ ثَلَاثِينَ مِنَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ. فَقَالَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا انْكَسَرَ شَهْرٌ، انْكَسَرَ الْجَمِيعُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَإِذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ، ابْتُدِئَ حِسَابُ الشَّهْرِ مِنْ حِينَئِذٍ. وَإِذَا اعْتَدَّتْ صَغِيرَةٌ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ فَرَاغِهَا، فَقَدِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ، وَلَا يَلْزَمُهَا الْأَقْرَاءُ، وَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ، انْتَقَلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute