وَلَوْ أَفْلَسَ وَحُجِرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، ضَارَبَتِ الْغُرَمَاءَ بِالسُّكْنَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَدَيْنٍ حَادِثٍ، لِأَنَّ حَقَّهَا مُسْتَنِدٌ إِلَى سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْحَجْرِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَالْوَطْءُ فِيهِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا وَلَيْسَتْ فِي مَنْزِلٍ لَهُ، ضَارَبَتْهُمْ بِالْأُجْرَةِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الطَّلَاقُ أَوْ تَأَخَّرَ، لِأَنَّ حَقَّهَا هُنَا مُرْسَلٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِعَيْنٍ.
وَمَتَى ضَارَبَتْ، فَإِنْ كَانَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ، ضَارَبَتْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْأَشْهُرِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْأَقْرَاءِ أَوِ الْحَمْلِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فِيهِمَا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: تُضَارِبُ بِأَقَلِّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْأَقْرَاءِ فِيهَا، وَالْحَامِلُ بِأُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزِّيَادَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَالثَّانِي: تُؤْخَذُ بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، فَتُضَارِبُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ بِأُجْرَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَالْحَامِلُ بِمَا بَقِيَ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ «الْحَاوِي» .
وَإِنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ فِيهِمَا، ضَارَبَتْ بِأُجْرَةِ مُدَّةِ الْعَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَرَاعَيْنَا الْعَادَةَ، فَالْمُعْتَبَرُ أَقَلُّ عَادَاتِهَا.
وَإِذَا ضَارَبَتْ بِأُجْرَةِ مُدَّةٍ، وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ عَلَى وَفْقِ تِلْكَ الْمُضَارَبَةِ، فَهَلْ تَرْجِعُ عَلَى الْمُفْلِسِ بِالْبَاقِي مِنَ الْأُجْرَةِ عِنْدَ يَسَارِهِ؟ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِيهِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إِذَا لَمْ تُطَالِبْ بِالسُّكْنَى فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ مُدَّةً، هَلْ تَصِيرُ سُكْنَى الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ دَيْنًا لَهَا عَلَيْهِ، وَتُطَالِبُهُ بِهَا؟ وَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَصَحُّهُمَا: الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ، كَمَا فِي الْبَاقِي مِنْ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهَا هُنَا طَلَبَتِ الْجَمِيعَ، وَلَكِنَّ زَحْمَةَ الْغُرَمَاءِ مَنَعَتْهَا، وَلَوِ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ الَّتِي ضَارَبَتْ لَهَا، رَدَّتِ الْفَضْلَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَفِي رُجُوعِهَا عَلَى الْمُفْلِسِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمُحَاصَّةُ لِلْمُدَّةِ الْمُنْقَضِيَةِ الطَّرِيقَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute