ضَرَبَ كُوعَهُ بِعَصًا، فَتَوَرَّمَ الْمَوْضِعُ، وَدَامَ الْأَلَمُ حَتَّى مَاتَ، فَقَدْ عَلِمْنَا حُصُولَ الْمَوْتِ بِهِ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَعَلَى الثَّانِي بِأَنَّ الْعَمْدِيَّةَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يَخْتَلِفُ بِالْجَارِحِ وَالْمُثْقِلِ، وَكَمَا يُؤَثِّرُ الْجَارِحُ فِي الظَّاهِرِ بِالشَّقِّ يُؤَثِّرُ الْمُثْقِلُ فِي الْبَاطِنِ بِالتَّرْضِيضِ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ نَحْوُ هَذَا، وَالْوَجْهُ الثَّالِثِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ: أَنَّ لِإِفْضَاءِ الْفِعْلِ إِلَى الْهَلَاكِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: غَالِبٌ وَكَثِيرٌ وَنَادِرٌ، وَالْكَثِيرُ: هُوَ الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالنَّادِرِ، وَمِثَالُهُ، الصِّحَّةُ وَالْمَرَضُ وَالْجُذَامُ، فَالصِّحَّةُ هِيَ الْغَالِبَةُ فِي النَّاسِ، وَالْمَرَضُ كَثِيرٌ لَيْسَ بِغَالِبٍ، وَالْجُذَامُ نَادِرٌ، فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، جَارِحًا كَانَ أَوْ مُثْقِلًا، فَعَمْدٌ، وَإِنْ كَانَ يَقْتُلُ كَثِيرًا فَهُوَ عَمْدٌ إِنْ كَانَ جَارِحًا كَالسِّكِّينِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ مُثْقِلًا، كَالسَّوْطِ وَالْعَصَا، فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ كَانَ يَقْتُلُ نَادِرًا، فَلَا قِصَاصَ، مُثْقِلًا كَانَ أَوْ جَارِحًا، كَغَرْزِ إِبْرَةٍ لَا يَعْقُبُهُ أَلَمٌ وَلَا وَرَمٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَارِحِ وَالْمُثْقِلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْجِرَاحَةَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْبَاطِنِ قَدْ يَخْفَى، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ وَهُوَ طَرِيقُ الْإِهْلَاكِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْمُثْقِلِ، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، أَنَّهُ إِنْ ضَرَبَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا، فَعَمْدٌ مَحْضٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا، فَشِبْهُ عَمْدٍ، فَهَذِهِ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ فِي التَّمْيِيزِ، وَالْقِصَاصُ مُخْتَصٌّ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ دُونَ الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ.
فَرْعٌ
جَرَحَهُ بِمُحَدَّدٍ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ زُجَاجٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَمَاتَ فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَجَبَ الْقِصَاصُ. وَالطَّعْنُ بِالسِّنَانِ، وَغَرْزُ الْمِسَلَّةِ كَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ، وَهَذَا فِي الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ، فَأَمَّا إِبَانَةُ فِلْقَةٍ مِنَ اللَّحْمِ خَفِيفَةٍ فَهُوَ كَغَرْزِ الْإِبْرَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، وَإِذَا غَرَزَ إِبْرَةً فَمَاتَ، نُظِرَ؛ إِنْ غَرَزَهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute