للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ، وَخَرَّجَ الرَّبِيعُ قَوْلًا: إِنَّهُ لَا قِصَاصَ، لَكِنْ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ، وَقِيلَ: إِنِ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَاءِ، فَلَا قِصَاصَ، كَمَسْأَلَةِ الْقَادِّ، وَإِلَّا فَيَجِبُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِالْتِقَامِ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمَاءَ، وَالْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ إِذَا كَانَ بَعْدَهُ.

وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْقَدِّ وَالِالْتِقَامِ، بِأَنَّ الْقَدَّ قَتْلٌ صَدَرَ مِنْ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ بِفِعْلٍ وَرَوِيَّةٍ، فَيَقْطَعُ أَثَرَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَالْحُوتُ يَلْتَقِمُ بِطَبْعِهِ كَالسَّبُعِ الضَّارِي، فَلَمْ يَقْطَعْ أَثَرَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا: لَوْ أَمْسَكَهُ، فَقَتَلَهُ آخَرُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْمُمْسِكِ.

وَلَوْ أَمْسَكَهُ وَهَدَفَهُ لِوَثْبَةِ سَبُعٍ ضَارٍ، فَافْتَرَسَهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُمْسِكِ، لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الضَّارِيَ يَفْعَلُ بِطَبْعِهِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ، وَكَأَنَّهُ آلَةٌ لِصَاحِبِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ وَكَانَ فِي سُفْلِهَا نَصْلٌ مَنْصُوبٌ فَمَاتَ بِهِ.

فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْقِي، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الطَّارِئُ فِعْلَ صَاحِبِ رَأْيٍ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَةَ الْآلَةِ، وَبُنِيَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي سُفْلِ الْبِئْرِ حَيَّةٌ عَادِيَةٌ بِطَبْعِهَا، أَوْ نَمِرٌ ضَارٍ، فَقَتَلَهُ، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُرْدِي، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَجْنُونٌ ضَارٍ عَلَى طَبْعِ السِّبَاعِ، فَكَذَلِكَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَارِيًا، كَانَ كَالْعَاقِلِ فِي إِسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنِ الْمُرْدِي، فَلَمْ يَجْعَلِ الْهَلَاكَ الْحَاصِلَ بِالسَّبُعِ الضَّارِي كَالتَّلَقِّي بِالسَّيْفِ، وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ نَفْيَ الضَّمَانِ إِذَا افْتَرَسَهُ السَّبُعُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْأَرْضِ.

وَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَدِّ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَادُّ مِمَّنْ يَضْمَنُ أَوْ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُ، كَالْحَرْبِيِّ، وَلَوْ رَفَعَ الْحُوتُ رَأْسَهُ، فَأَلْقَمَهُ فَاهُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ بِلَا خِلَافٍ.

وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ غَيْرِ مُغْرِقٍ، فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ، فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِهْلَاكَهُ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِسَبَبِ الْهَلَاكِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَ رَجُلًا دَفْعًا خَفِيفًا، فَأَلْقَاهُ، فَجَرَحَهُ بِسِكِّينٍ كَانَ هُنَاكَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الدَّافِعُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>