يَعْفُ، قُدِّمَ لِلْقِصَاصِ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَإِذَا اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ، أَوْ بِالْمُبَادَرَةِ بِلَا قُرْعَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الْقَاتِلُ بِحَقٍّ لَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُقْتَصُّ مَحْجُوبًا، سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ وَرِثَ الْقِصَاصَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ بَعْضَهُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَحْجُبُهُ، فَلِوَارِثِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْمُبَادِرِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَتَعَاقَبَ الْقَتْلَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ أَوَّلًا، وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي، فَإِذَا اقْتَصَّ الْقَاتِلُ الْأَوَّلُ مِنَ الثَّانِي، وَقُلْنَا: الْقَاتِلُ بِحَقٍّ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ، أَوْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَحْجُوبًا، فَلِوَرَثَةِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ نَصِيبُهُ مِنْ دِيَةِ الْقَتِيلِ الْأَوَّلِ يُطَالِبُونَ بِهِ الْقَاتِلَ الْأَوَّلَ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْقِصَاصِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَلْ يُقَدَّمُ بِالْقُرْعَةِ، أَمْ يُقْتَصُّ مِنَ الْمُبْتَدِئِ بِالْقَتْلِ؟ وَجْهَانِ.
مَيْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْإِمَامُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَبِالثَّانِي أَجَابَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
قُلْتُ: لَمْ يُعَبَّرْ عَنْ تَرْجِيحِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا يَنْبَغِي، فَقَدْ قَطَعَ بِالْإِقْرَاعِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَطَعَ بِالثَّانِي الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ، مَعَ أَنَّهُ رَجَّحَ الْإِقْرَاعَ، وَالْأَرْجَحُ مَا نَقَلَهُ عَنِ الْأَصْحَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَادَرَ مَنْ أَرَدْنَا الِاقْتِصَاصَ مِنْهُ بِالْقُرْعَةِ أَوْ لِابْتِدَائِهِ بِالْقَتْلِ، عَادَ النَّظَرُ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ هَلْ يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَأَنَّهُ هَلْ خَلَفَ الْمَقْتُولَ مَنْ يَحْجُبُهُ كَمَا سَبَقَ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنِ الْأَصْحَابِ فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْقَتْلَانِ مَعًا، وَأَقْرَعْنَا لِلِابْتِدَاءِ، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا، أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَكِيلًا، جَازَ، لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ لَهُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَوْ وَكَّلَ الْآخَرُ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ لَهُ بَعْدَ قَتْلِهِ، وَلَا تَبْقَى الْوِكَالَةُ حِينَئِذٍ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute