للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَاوَاهُ لِمَصْلَحَتِهِ، فَمَاتَ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْإِمَامِ قَوْلَانِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، فَمَاتَ مِنْهُ.

فَإِنْ قُلْنَا: لَا قِصَاصَ، وَجَبَ نِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ، وَهَلْ هِيَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ.

وَحُكْمُ الْجَارِحِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا تَوَلَّاهُ الْمَجْرُوحُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ جَعَلْنَا وُجُوبَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُشَارَكَةِ الْعَامِدِ الَّذِي لَا يَضْمَنُ، لَمْ يَجِبْ هُنَا الْقِصَاصُ، لِأَنَّهُ شَارَكَ مَنْ فِعْلُهُ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ، أَوِ الدِّيَةِ.

وَإِنْ نَزَّلْنَا الْمَجْرُوحَ مَنْزِلَةَ الْمُخْطِئِ لِقَصْدِهِ التَّدَاوِيَ، وَلَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ، فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ، فَغَلِطَ وَخَاطَ فِي حَيٍّ، فَالْجَارِحُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ قَطْعًا.

قَالَ الْقَفَّالُ: وَكَذَا لَوْ قَصَدَ الْخِيَاطَةَ فِي الْجِلْدِ فَغَلِطَ وَأَصَابَتِ الْإِبْرَةُ اللَّحْمَ، وَأَمَّا الْكَيُّ فَكَالْخِيَاطَةِ، فَيَنْظُرُ أَكَوَى لَحْمًا مَيِّتًا أَوْ حَيًّا يُؤْلِمُ وَلَهُ سِرَايَةٌ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمُدَاوَاةِ بِمَا لَا يَضُرُّ، وَلَا يُخْشَى مِنْهُ هَلَاكٌ، وَلَا بِمَا عَلَى الْمَجْرُوحِ مِنْ قُرُوحٍ، وَلَا بِمَا بِهِ مِنْ مَرَضٍ وَضَنًى.

فَرْعٌ.

قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ، فَتَآكَلَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ، فَقَطَعَ الْمَقْطُوعُ كَفَّهُ خَوْفًا مِنَ السِّرَايَةِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَتَآكَلْ إِلَّا مَوْضِعُ الْقَطْعِ، فَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي إِلَّا الْقِصَاصُ فِي الْأُصْبُعِ، أَوْ أَرْشُهَا إِنْ لَمْ يَسْرِ إِلَى النَّفْسِ.

فَإِنْ سَرَى، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَانِي فِي النَّفْسِ، الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْخِيَاطَةِ، وَإِنْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْكَفِّ، ثُمَّ قَطَعَهَا، نُظِرَ، أَقَطَعَ فِي لَحْمٍ مَيِّتٍ أَمْ فِي حَيٍّ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْخِيَاطَةِ.

وَلَوْ جَرَحَ عُضْوًا، فَدَاوَاهُ الْمَجْرُوحُ فَتَآكَلَ الْعُضْوُ، فَسَقَطَ، فَإِنْ كَانَ مَا دَاوَاهُ بِهِ لَا يُورِثُ التَّآكُلَ، فَعَلَى الْجَارِحِ ضَمَانُ الْعُضْوِ.

وَإِنْ كَانَ يُورِثُ التَّآكُلَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ، فَلَوْ قَالَ الْجَانِي: دَاوَيْتُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ التَّآكُلُ، وَأَنْكَرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، صُدِّقَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مَعْلُومَةٌ، وَغَيْرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>