قُلْتُ: وَإِذَا صَدَّقْنَا الْوَلِيَّ بِلَا بَيِّنَةٍ، فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ دُونَ الْقِصَاصِ، ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِيَةُ: قَتَلَ شَخْصًا، وَادَّعَى رِقَّهُ، وَقَالَ قَرِيبُهُ: كَانَ حُرًّا، فَالنَّصُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَرِيبِ، وَنَصَّ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى رِقَّ الْمَقْذُوفِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ فَقِيلَ بِظَاهِرِ النَّصَّيْنِ.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ فِيهِمَا قَوْلَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا: تَصْدِيقُ الْقَرِيبِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ وَالظَّاهِرَ الْحُرَّيَّةَ، وَلِهَذَا حَكَمْنَا بِحُرِّيَّةِ اللَّقِيطِ الْمَجْهُولِ.
الثَّالِثَةُ: قَطَعَ طَرَفَهُ، وَادَّعَى نَقْصَهُ بِشَلَلٍ فِي الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ أَوِ الذَّكَرِ، أَوْ فَقْدِ أُصْبُعٍ أَوْ بِخَرَسٍ أَوْ عَمًى، وَأَنْكَرَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، فَفِيهِ نُصُوصٌ وَطُرُقٌ مُخْتَصَرُهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا: يُصَدَّقُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: الْجَانِي، وَالثَّالِثُ: يُصَدَّقُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إِنِ ادَّعَى السَّلَامَةَ مِنَ الْأَصْلِ، وَإِنِ ادَّعَى زَوَالَ النَّقْصِ بَعْدَ وُجُودِهِ صُدِّقَ الْجَانِي.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ يُصَدَّقُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْعُضْوِ الظَّاهِرِ عِنْدَ إِنْكَارِ أَصْلِ السَّلَامَةِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعُضْوِ الْبَاطِنِ مَا يُعْتَادُ سَتْرُهُ مُرُوءَةً، وَقِيلَ: مَا يَجِبُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ، وَبِالظَّاهِرِ مَا سِوَاهُ، وَإِذَا صَدَّقْنَا الْجَانِيَ، احْتَاجَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إِلَى بَيِّنَةٍ بِالسَّلَامَةِ.
ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي قَوْلُ الشُّهُودِ: كَانَ صَحِيحًا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَرُّضُهُمْ لِوَقْتِ الْجِنَايَةِ، وَقِيلَ: إِنْ شَهِدُوا بِالسَّلَامَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ، كَفَى وَلَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى يَمِينٍ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ سَلِيمًا، احْتَاجَ مَعَهَا إِلَى الْيَمِينِ لِجَوَازِ حُدُوثِ النَّقْصِ.
ثُمَّ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْعَيْنِ إِذَا رَأَوْهُ يُتْبِعُ بَصَرَهُ الشَّيْءَ زَمَنًا طَوِيلًا وَيَتَوَقَّى الْمَهَالِكَ، وَلَا يَجُوزُ بِأَنْ يَرَوْهُ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ زَمَنًا يَسِيرًا، لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ مِنَ الْأَعْمَى.
وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِسَلَامَةِ الْيَدِ وَالذَّكَرِ بِرُؤْيَةِ الِانْقِبَاضِ وَالِانْبِسَاطِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute