فَرْعٌ.
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الِاقْتِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْمُوحِي، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُوحِي مِنَ الْقَتْلِ، كَالْجُرُوحِ وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ إِذَا سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ، فَلَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ بِحَيْثُ يُقْتَصُّ فِيهَا لَوْ وَقَفَتْ، كَالْمُوضِحَةِ وَقَطْعِ الْكَفِّ، فَلِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَحُزَّ رَقَبَتَهُ، وَلَهُ أَنْ يُوضِحَهُ أَوْ يَقْطَعَ كَفَّهُ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ حَزَّ رَقَبَتَهُ فِي الْحَالِ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَقُولَ: أَمْهِلُونِي مُدَّةَ بَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ جِنَايَتِي، لِأَنَّ الْقِصَاصَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ.
وَعَنِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْهَلَهُ إِلَى السِّرَايَةِ كَمَا سَبَقَ، وَلَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَقُولَ: أَرِيحُونِي بِالْقَتْلِ أَوِ الْعَفْوِ، بَلِ الْخِيَرَةُ لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِذَا اقْتَصَّ فِي مُوضِحَةِ الْجِنَايَةِ، أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ مِثْلِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوضِحَ مَوْضِعًا آخَرَ، وَلَا أَنْ يَقْطَعَ عُضْوًا آخَرَ بِلَا خِلَافٍ، بَلْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا حَزُّ الرَّقَبَةِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ بِحَيْثُ لَا يُقْتَصُّ فِيهَا لَوْ وَقَفَتْ، كَالْجَائِفَةِ وَقَطْعِ الْيَدِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، فَهَلْ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِهَذَا الطَّرِيقِ تَحْقِيقًا لِلْمُمَاثَلَةِ، أَمْ يَجِبُ الْعُدُولُ إِلَى حَزِّ الرَّقَبَةِ؟ قَوْلَانِ.
أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: الْأَوَّلُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَجَافَهُ كَجَائِفَتِهِ، فَلَمْ يَمُتْ، فَهَلْ يُزَادُ فِي الْجَوَائِفِ، وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ الِاقْتِصَاصُ بِطَرِيقِ الْجَائِفَةِ، فَقَالَ: أُجِيفُهُ، ثُمَّ أَعْفُو عَنْهُ إِنْ لَمْ يَمُتْ، لَمْ يُمَكَّنْ مِنْهُ، إِنَّمَا يُمَكَّنُ إِذَا قَالَ: أُجِيفُهُ ثُمَّ أَحُزُّ رَقَبَتَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَرْمِيهِ مِنَ الشَّاهِقِ ثُمَّ أَعْفُو، قَالَ: وَلَوْ أَجَافَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ، عُزِّرَ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَتْلِهِ، فَإِنْ مَاتَ، بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ.
وَالْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِالْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا؟ يَجْرِيَانِ فِيمَا قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ، وَيَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةٌ، أَوْ سَاعِدًا مِمَّنْ لَا كَفَّ لَهُ، وَالْقَاطِعُ سَلِيمٌ، هَلْ يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ بِقَطْعِ الْيَدِ وَالسَّاعِدِ؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute