قَصَدَ شَخْصٌ قَطْعَ يَدِ رَجُلٍ ظُلْمًا، فَلَمْ يَدْفَعْهُ الْمَقْصُودُ وَسَكَتَ حَتَّى قَطَعَ، فَهَلْ يَكُونُ سُكُوتُهُ إِهْدَارًا؟ وَجْهَانِ.
الصَّحِيحُ: لَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ لَفْظٌ وَلَا فِعْلٌ، فَصَارَ كَسُكُوتِهِ عَنْ إِتْلَافِ مَالِهِ، وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّهُ سُكُوتٌ مُحَرَّمٌ، فَدَلَّ عَلَى الرِّضَى، وَلَوْ سَرَى قَطْعُ الْيَسَارِ إِلَى نَفْسِ الْمُخْرِجِ، فَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا إِذَا قَالَ: اقْتُلْنِي، فَقَتَلَهُ، وَبُنِيَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ يَسَارُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ قَاتِلَ نَفْسِهِ هَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؟ .
هَذَا حُكْمُ قَطْعِ الْيَسَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَأَمَّا قِصَاصُ الْيَمِينِ، فَيَبْقَى كَمَا كَانَ، لَكِنْ إِذَا سَرَى قَطْعُ الْيَسَارِ إِلَى النَّفْسِ، فَاتَ الْقِصَاصُ، فَيَعْدِلُ إِلَى دِيَةِ الْيَدِ، فَلَوْ قَالَ الْقَاطِعُ: قَطَعْتُ الْيَسَارَ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنِ الْيَمِينِ فَوَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: لَا يَسْقُطُ قِصَاصُهُ فِي الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْهُ وَلَا اعْتَاضَ عَنْهُ، وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَسْقُطُ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ اكْتِفَاءً بِالْيَسَارِ، فَعَلَى هَذَا يَعْدِلُ إِلَى دِيَةِ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْيَسَارَ وَقَعَتْ هَدَرًا.
وَطُرِدَ الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ جَاءَ الْجَانِي بِالدِّيَةِ وَطَلَبَ مِنْ مُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ مُتَضَرِّعًا إِلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَتْرُكَ الْقِصَاصَ، فَأَخَذَهَا، فَهَلْ يُجْعَلُ الْأَخْذُ عَفْوًا، وَلَوْ قَالَ الْقَاطِعُ: عَلِمْتُ أَنَّ الْيَسَارَ لَا تُجْزِئُ عَنِ الْيَمِينِ شَرْعًا، لَكِنْ جَعَلْتُهَا عِوَضًا عَنْهَا، اطَّرَدَ الْخِلَافُ، وَجَعَلَ الْإِمَامُ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ.
الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: قَصَدْتُ بِإِخْرَاجِ الْيَسَارِ إِيقَاعُهَا عَنِ الْيَمِينِ لِظَنِّي أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا، فَنَسْأَلُ الْمُقْتَصَّ لِمَ قَطَعَ؟ وَلَهُ فِي جَوَابِهِ أَلْفَاظٌ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا بِالْإِخْرَاجِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ فِي الْيَسَارِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ كَمَا كَانَ قَطْعًا.
الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَلَا تُجْعَلُ بَدَلًا، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ، لَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute