قَطَعْتُهَا عِوَضًا عَنِ الْيَمِينِ، وَظَنَنْتُهَا تُجْزِئُ كَمَا ظَنَّهُ الْمُخْرِجُ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَأَنَّهُ يَسْقُطُ قِصَاصُ الْيَمِينِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ مَا قَطَعَهُ الْآخَرُ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْتُ الْمُخْرَجَةَ الْيَمِينَ، فَلَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» فِيهِ وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَالَ: ظَنَنْتُهُ قَاتِلَ أَبِي فَلَمْ يَكُنْ.
فَإِنْ لَمْ نُوجِبِ الْقِصَاصَ، وَجَبَتِ الدِّيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ الْمُخْرِجُ: دُهِشْتُ فَأَخْرَجْتُ الْيَسَارَ، وَظَنِّي أَنِّي أُخْرِجُ الْيَمِينَ، فَيَسْأَلُ الْمُقْتَصُّ عَنْ قَصْدِهِ فِي قَطْعِهِ الْيَسَارَ، وَلَهُ فِي جَوَابِهِ صِيَغٌ.
إِحْدَاهَا: أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْتُ أَنَّ الْمُخْرِجَ قَصَدَ الْإِبَاحَةَ، فَقِيَاسُ مِثْلِهِ فِي الْحَالِ الثَّانِي أَنْ لَا يَجِبَ الْقِصَاصُ فِي الْيَسَارِ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَقَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَذِنَ لِي فِي الْقَتْلِ، وَهَذَا يُوَافِقُ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ هُنَاكَ وَهُوَ الْمُتَوَجِّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ: عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، فَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمُخْرِجِ بَذْلٌ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْتُ الْيَسَارَ تُجْزِئُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُولَ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصِّيَغِ يَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ إِلَّا إِذَا قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّ الْيَسَارَ تُجْزِئُ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ سُقُوطُهُ، وَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الدِّيَةُ عَلَى الْآخَرِ.
وَلَوْ قَالَ الْقَاطِعُ: دُهِشْتُ فَلَمْ أَدْرِ مَا قَطَعْتُ، قَالَ الْإِمَامُ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ فِي الْيَسَارِ، لِأَنَّ الدَّهْشَةَ لَا تَلِيقُ بِحَالِ الْقَاطِعِ، وَفِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ لَا سِيَّمَا الْعِرَاقِيِّينَ، أَنَّ الْمُخْرِجَ لَوْ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنَ الْمُقْتَصِّ: أَخْرِجْ يَمِينِكَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي سَمْعِي: أَخْرِجْ يَسَارَكَ، فَأَخْرَجْتُهَا، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَقَوْلِهِ: دُهِشْتُ، فَأَخْرَجْتُ وَأَنَا أَظُنُّهَا الْيَمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute