للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُطَابِقَ لِلسُّؤَالِ كَالْإِذْنِ لَفْظًا أَنْ يَلْحَقَ ذَلِكَ بِصُورَةِ الْإِبَاحَةِ.

فَرْعٌ.

جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْقِصَاصِ، فَأَمَّا إِذَا وَجَبَ قَطْعُ يَمِينِهِ فِي السَّرِقَةِ، فَقَالَ الْجَلَّادُ لِلسَّارِقِ: أَخْرِجْ يَمِينِكِ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ، فَقَطَعَهَا، فَقَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا وَيُقَالُ: إِنَّهُ قَدِيمٌ، وَيُقَالُ: مُخْرَجٌ: إِنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْقِصَاصِ.

وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ يَقَعُ قَطْعُ الْيَسَارِ عَنِ الْحَدِّ، فَيَسْقُطُ قَطْعُ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْكِيلُ وَقَدْ حَصَلَ، وَلِأَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَاسْتَدْرَكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، فَحَمَلَ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى الْحَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنَ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ.

وَقَالَ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ بِقَصْدِ الْإِبَاحَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ قَطْعُ الْيَمِينِ، كَمَا لَوْ قَطَعَ السَّارِقُ يَسَارَ نَفْسِهِ، أَوْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ بَعْدَ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَمِينِ.

فَرْعٌ.

لَوْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مَجْنُونًا، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْيَسَارَ مَدْهُوشًا، وَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْبَدَلُ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ عَاقِلًا، وَالْمُسْتَحِقُّ مَجْنُونًا، فَقَطَعَ يَمِينَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ مُكْرِهًا لَهُ، فَهَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ.

فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، انْتَقَلَ حَقُّهُ إِلَى الدِّيَةِ، وَيَجِبُ لِلْجَانِي دِيَةُ يَدِهِ، فَإِنْ جَعَلْنَا عَمْدَهُ عَمْدًا، فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَالصُّورَةُ مِنْ صُوَرِ الْتَّقَاصِّ.

وَإِنْ جَعَلْنَاهُ خَطَأً، فِدْيَةُ الْيَسَارِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا تَقَاصَّ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَهَا، فَقَطَعَهَا الْمَجْنُونُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَصِحُّ اسْتِيفَاؤُهُ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إِلَى الدِّيَةِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِبَذْلِهِ وَتَسْلِيطِهِ، وَإِنْ أَخْرَجَ يَسَارَهُ، فَقَطَعَهَا، فَهِيَ مُهْدَرَةٌ وَيَبْقَى حَقُّهُ فِي قِصَاصِ الْيَمِينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>