فَرْعٌ
قَالَ الْإِمَامُ: الْمَتَاعُ الْمُلْقَى لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ حَتَّى لَوْ لَفَظَهُ الْبَحْرُ عَلَى السَّاحِلِ، وَظَفِرْنَا بِهِ؛ فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الضَّامِنُ الْمَبْذُولَ. وَهَلْ لِلْمَالِكِ أَنْ يُمْسِكَ مَا أَخَذَهُ، وَيَرُدَّ بَدَلَهُ؟ فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِي الْعَيْنِ الْمُقْرَضَةِ إِذَا كَانَتْ بَاقِيَةً؛ فَهَلْ لِلْمُقْتَرِضِ إِمْسَاكُهَا وَرَدُّ بَدَلِهَا؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: إِذَا عَادَ حَجَرُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الرَّامِينَ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ؛ فَقَدْ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ شُرَكَائِهِ، وَحُكْمُهُ كَالِاصْطِدَامِ؛ فَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً، سَقَطَ عُشْرُ دِيَتِهِ، وَوَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ التِّسْعَةِ عُشْرُهَا، وَلَوْ قَتَلَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، فَصَاعِدًا فَكَذَلِكَ؛ فَلَوْ قَتَلَ الْعَشْرَةَ، أُهْدِرَ مِنْ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُهَا، وَوَجَبَ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَاقِينَ عُشْرُهَا.
وَلَوْ أَصَابَ الْحَجَرُ غَيْرَهُمْ، نُظِرَ؛ إِنْ لَمْ يَقْصِدُوا وَاحِدًا أَوْ أَصَابَ غَيْرَ مَنْ قَصَدُوهُ؛ بِأَنْ عَادَ فَقَتَلَ بَعْضَ النَّظَّارَةِ؛ فَهَذَا خَطَأٌ يُوجِبُ الدِّيَةَ الْمُخَفِّفَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ قَصَدُوا شَخْصًا أَوْ جَمَاعَةً بِأَعْيَانِهِمْ فَأَصَابُوا مَنْ قَصَدُوهُ، فَوَجْهَانِ؛ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدٌ مُعَيَّنٌ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَالثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ، وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي، وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: أَنَّهُ عَمْدٌ إِذَا كَانُوا حَاذِقِينَ تَتَأَتَّى لَهُمُ الْإِصَابَةُ، وَالْغَالِبُ الْإِصَابَةُ.
قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي «الْمُحَرِّرِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنْ قَصَدُوا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ مَنْ قَصَدُوهُ وَقَدْ يُصِيبُ؛ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ يُصِيبُ أَحَدَهُمْ لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لَا بِأَعْيَانِهِمْ، لَا يُحَقِّقُ الْعَمْدِيَّةَ، وَلَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّ الْعَمْدِيَّةَ تَعْتَمِدُ قَصْدَ عَيْنِ الشَّخْصِ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: اقْتُلْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ؛ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ، لَا قِصَاصَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ أَحَدِهِمْ، ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: يَكُونُ هَذَا خَطَأً فِي حَقِّ ذَلِكَ الْوَاحِدِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute