وَيَمُوتُ مِنْهُ. وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِوُصُولِ شَيْءٍ إِلَى بَدَنِهِ مِنْ دُخَانٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ دُونَهُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الِاسْتِرَابَادِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَا حَقِيقَةَ لِلسِّحْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ.
وَيَحْرُمُ فِعْلُ السِّحْرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِذَا قَالَ إِنْسَانٌ: تَعَلَّمْتُ السِّحْرَ، أَوْ أُحْسِنُهُ، اسْتُوصِفَ؛ فَإِنْ وَصَفَهُ بِمَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَافِرٌ؛ بِأَنْ يَعْتَقِدَ التَّقَرُّبَ إِلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ.
قَالَ الْقَفَّالُ: وَلَوْ قَالَ: أَفْعَلُ بِالسِّحْرِ بِقُدْرَتِي دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ وَصَفَهُ بِمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ.
وَأَمَّا تَعَلُّمُ السِّحْرِ وَتَعْلِيمُهُ؛ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُمَا حَرَامَانِ، وَالثَّانِي: مَكْرُوهَانِ، وَالثَّالِثُ: مُبَاحَانِ، وَهَذَانِ إِذَا لَمْ يَحْتَجْ فِي تَعْلِيمِهِ إِلَى تَقْدِيمِ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ.
قُلْتُ: قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ «الْإِرْشَادُ» : لَا يَظْهَرُ السِّحْرُ إِلَّا عَلَى فَاسِقٍ، وَلَا تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى فَاسِقٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِهِ «الْغَنِيَّةُ» نَحْوَ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ التَّكَهُّنَ، وَإِتْيَانَ الْكُهَّانِ، وَتَعَلُّمَ الْكِهَانَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالضَّرْبِ بِالرَّمْلِ وَبِالشَّعِيرِ وَالْحَصَى، وَتَعْلِيمَ هَذِهِ كُلِّهَا حَرَامٌ، وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا حَرَامٌ بِالنَّصِّ الصَّحِيحِ فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا الْفَصْلَ فِي «تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ» عِنْدَ ذِكْرِ الْحُلْوَانِ وَالْكِهَانَةِ، وَنَبَّهْتُ فِيهِ عَلَى النُّصُوصِ، وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَلَا يَغْتَرُّ بِجَهَالَةِ مَنْ يَتَعَاطَى الرَّمْلَ وَإِنْ نَسَبَ نَفْسَهُ، أَوْ نَسَبَهُ النَّاسُ إِلَى عِلْمٍ، كَمَا لَا يَغْتَرُّ بِهِ فِيمَا يَعْرِفُهُ مِنْ حَالِهِ مِنْ تَسَاهُلِهِ فِي الشُّبُهَاتِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute