فَرْعٌ
الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الْإِمَامُ إِذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ مَنْ يُتِمُّ بِالْمَأْمُومِينَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَإِذَا أَمَّ مُسَافِرٌ مُسَافِرِينَ وَمُقِيمِينَ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِرُعَافٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ فَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا لَزِمَ الْمُسَافِرِينَ الْمُقْتَدِينَ الْإِتْمَامُ. كَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَيَجِيءُ فِيهِ وَجْهٌ، لِأَنَّا سَنَذْكُرُ وَجْهًا فِي مَسَائِلِ الِاسْتِخْلَافِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ. فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَلْزَمُ الْإِتْمَامُ إِذَا نَوَوُا الِاقْتِدَاءَ. وَإِنَّمَا فَرَّعَ الْأَصْحَابُ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ. وَأَمَّا الْإِمَامُ الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَالرُّعَافُ فَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي وُجُوبَ إِتْمَامِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَالْأَكْثَرُونَ: أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ، وَيَقْتَدِيَ بِالْخَلِيفَةِ، إِمَّا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ، وَإِمَّا اسْتِئْنَافًا عَلَى الْجَدِيدِ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ. وَقِيلَ: يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ، لِأَنَّ فَرْعَهُ مُتِمٌّ فَهُوَ أَوْلَى، وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَدِيمِ، إِنْ سَبَقَ الْحَدَثُ لَا يُبْطِلُهَا، فَيَكُونُ الرَّاعِفُ فِي انْصِرَافِهِ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ بِخَلِيفَتِهِ الْمُقِيمِ. وَضَعَّفَهُ الْأَصْحَابُ أَيْضًا، فَإِنَّ الْبِنَاءَ إِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى الْقَدِيمِ، وَالِاسْتِخْلَافَ لَا يَجُوزُ عَلَى الْقَدِيمِ. وَقِيلَ: مُرَادُهُ أَنْ يُحِسَّ الْإِمَامُ بِالرُّعَافِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّمِ فَيَسْتَخْلِفَ ثُمَّ يَخْرُجَ فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، لِأَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ. وَضَعَّفَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِخْلَافٌ قَبْلَ الْعُذْرِ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْإِحْسَاسُ بِهِ عُذْرٌ. وَمَتَى حَضَرَ إِمَامٌ حَالُهُ أَكْمَلُ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute