قُلْتُ: هَذَا كُلُّهُ إِذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقِيمًا. فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَا اسْتَخْلَفَ الْمَأْمُومُونَ بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ فُرَادَى. وَجَازَ لِلْمُسَافِرِينَ مِنْهُمْ وَالرَّاعِفِ الْقَصْرُ قَطْعًا. وَكَذَا لَوِ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا أَوِ اسْتَخْلَفَهُ الْقَوْمُ قَصَرَ الْمُسَافِرُونَ وَالرَّاعِفُ. فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفِ الْإِمَامُ الرَّاعِفُ وَاسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ مُقِيمًا، فَوَجْهَانِ. حَكَاهُمَا صَاحِبُ (الْحَاوِي) أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَاسْتِخْلَافِ الرَّاعِفِ عَلَى مَا مَضَى. وَأَصَحُّهُمَا: يَجُوزُ لِلرَّاعِفِ هُنَا الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ إِذَا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فَرْعًا لَهُ. وَلَوِ اسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُونَ مُقِيمًا وَالْمُسَافِرُونَ مُسَافِرًا جَازَ. وَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ خَلْفَ إِمَامِهِمْ، وَكَذَا لَوْ تَفَرَّقُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ أَوْ أَكْثَرَ وَأَمَّ كُلَّ فِرْقَةٍ إِمَامٌ. نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: نِيَّةُ الْقَصْرِ. فَلَا بُدَّ مِنْهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ. وَلَا يَجِبُ اسْتِدَامَةُ ذِكْرِهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الِانْفِكَاكُ عَمَّا يُخَالِفُ الْجَزْمَ بِهَا. فَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ أَوَّلًا، ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ، أَوْ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ، أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَاهُ، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَلَوِ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الْإِمَامُ إِلَى ثَالِثَةٍ، نَظَرَ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَاهٍ، بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَرَى الْإِتْمَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ، وَيَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ خَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَعُودَ. فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ أَتَمَّ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْإِمَامِ فِي سَهْوِهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ. وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَا هُوَ فِيهِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ، كَالْمَسْبُوقِ إِذَا أَدْرَكَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ رَكْعَةً، فَقَامَ الْإِمَامُ سَهْوًا إِلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ. فَلَوْ شَكَّ هَلْ قَامَ سَاهِيًا أَمْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ. وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إِلَى ثَالِثَةٍ نَظَرَ: إِنْ حَدَثَ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ كَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ أَوِ الْإِقَامَةِ أَوْ حُصُولِهِ بِدَارِ الْإِقَامَةِ فِي السَّفِينَةِ، فَقَامَ لِذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبَهُ. فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَقَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute