للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا تَتَنَاقَضَ دَعْوَاهُ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ تَفَرُّدَهُ بِالْقَتْلِ، ثُمَّ عَلَى آخَرَ تَفَرُّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ مُشَارَكَتَهُ، لَمْ تُسْمَعِ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ لَمْ يُقْسِمْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَمْضِ حُكْمٌ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا، وَلَوْ صَدَّقَهُ الثَّانِي فِي دَعْوَاهُ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ مُؤَاخَذَتُهُ ; لِأَنَّ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْأَوَّلِ اعْتِرَافًا بِبَرَاءَةِ غَيْرِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَهُ مُؤَاخَذَتُهُ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَيُحْتَمَلُ كَذِبُهُ فِي الْأُولَى وَصِدْقُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوِ ادَّعَى قَتْلًا عَمْدًا فَاسْتَفْصَلَ، فَوَصَفَهُ بِمَا لَيْسَ بِعَمْدٍ، نَقَلَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ، وَالرَّبِيعُ أَنَّهُ يُقْسِمُ، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ الدَّعْوَى وَلَا يُقْسِمُ ; لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ اعْتِرَافًا بِبَرَاءَةِ الْعَاقِلَةِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ بَعْدَهُ ; وَلِأَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْطِئٍ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعَهُ عَنْهُ، وَأَظْهَرُهُمَا: لَا تَبْطُلُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ الْخَطَأَ عَمْدًا، فَعَلَى هَذَا يُعْتَمَدُ تَفْسِيرُهُ وَيَمْضِي حُكْمُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا وَتَأَوَّلَ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ عَلَى الْعَمْدِ. وَيَجْرِي الطَّرِيقَانِ فِيمَنِ ادَّعَى خَطَأً وَفُسِّرَ بِعَمْدٍ، وَكَذَا فِيمَنِ ادَّعَى شِبْهَ عَمْدٍ وَفُسِّرَ بِخَطَأٍ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ قَطْعًا ; لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَنِ الْعَاقِلَةِ وَرُجُوعًا عَنْ زِيَادَةٍ ادَّعَاهَا عَلَيْهِمْ.

فَرْعٌ

ادَّعَى قَتْلًا، فَأَخَذَ الْمَالَ، ثُمَّ قَالَ: ظَلَمْتُهُ بِالْأَخْذِ، وَأَخَذْتُهُ بَاطِلًا، أَوْ مَا أَخَذْتُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ، سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ: كَذَبْتُ فِي الدَّعْوَى وَلَيْسَ هُوَ قَاتِلًا، اسْتُرِدَّ الْمَالُ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنِّي حَنَفِيٌّ لَا أَعْتَقِدُ أَخْذَ الْمَالِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي لَمْ يُسْتَرَدَّ ; لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ، لَا إِلَى مَذْهَبِ الْخَصْمَيْنِ، وَذَكَرُوا لِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>