الثَّانِي: إِذَا ظَهَرَ لَوْثٌ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ دُونَ كَوْنِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، فَهَلْ يَتَمَكَّنُ الْوَلِيُّ مِنَ الْقَسَامَةِ عَلَى أَصْلِ الْقَتْلِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا وَلَا خَطَأً، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدٌ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَوْثًا ; لِأَنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ، وَلَوْ حَلَفَ، لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ صِفَةَ الْقَتْلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مُوجِبَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى قَتْلٍ مَوْصُوفٍ يَسْتَدْعِي ظُهُورَ اللَّوْثِ فِي قَتْلٍ مَوْصُوفٍ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ إِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ اللَّوْثُ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ، كَفَى ذَلِكَ فِي تَمَكُّنِ الْوَلِيِّ مِنَ الْقَسَامَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ، وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ وَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، جَازَ، وَيُمَكَّنُ مِنَ الْقَسَامَةِ، فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ ظُهُورُ اللَّوْثِ فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الِانْفِرَادِ وَالِاشْتِرَاكِ لَا يُعْتَبَرُ فِي صِفَةِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُنْكِرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ، بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ الْقَوْمِ الْمُتَفَرِّقِينَ عَنِ الْقَتِيلِ، أَوْ قَالَ: لَسْتُ أَنَا الَّذِي رُئِيَ مَعَهُ السِّكِّينُ الْمُتَلَطِّخُ عَلَى رَأْسِهِ، أَوْ لَسْتُ أَنَا الْمَرْئِيَّ مِنْ بَعِيدٍ، فَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ عَلَى الْأَمَارَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِهَا، وَسَقَطَ اللَّوْثُ، وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى، وَلَوْ قَالَ: كُنْتُ غَائِبًا يَوْمَ الْقَتْلِ، أَوِ ادَّعَى عَلَى جَمْعٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: كُنْتُ غَائِبًا، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ عَلَى حُضُورِهِ يَوْمَئِذٍ، أَوْ إِقْرَارِهِ بِالْحُضُورِ، فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِحُضُورِهِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِغَيْبَتِهِ، فَفِي «الْوَسِيطِ» : أَنَّهُمَا تَتَسَاقَطَانِ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» : تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْغَيْبَةِ ; لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، هَذَا إِذَا اتَّفَقَا أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا مِنْ قَبْلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute