وَيُعْتَبَرُ فِي بَيِّنَةِ الْغَيْبَةِ أَنْ يَقُولُوا: كَانَ غَائِبًا فِي مَوْضِعِ كَذَا، فَلَوِ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَا، فَهَذَا نَفْيٌ مَحْضٌ لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَقْسَمَ الْمُدَّعِي، وَحَكَمَ الْقَاضِي بِمُوجِبِ الْقَسَامَةِ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى غَيْبَتِهِ يَوْمَ الْقَتْلِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْمُدَّعِي، نُقِضَ الْحُكْمُ وَاسْتُرِدَّ الْمَالُ، وَكَذَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ: لَمْ يَقْتُلُهُ هَذَا، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَلَوْ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مَرِيضًا يَوْمَ الْقَتْلِ، فَهَلْ هُمَا كَالْغَيْبَةِ حَتَّى يَسْقُطَ اللَّوْثُ إِذَا ثَبَتَ الْحَالُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي أَوْ بَيِّنَةٍ؟ وَجْهَانِ، وَمَوْضِعُهَا إِذَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ قَاتِلًا بِحِيلَةٍ وَلَوْ فِي صُورَةٍ بَعِيدَةٍ أَصَحُّهُمَا: هُمَا كَالْغَيْبَةِ.
الرَّابِعُ: شَهِدَ عَدْلٌ أَوْ عَدْلَانِ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْقَبِيلَيْنِ، فَلَيْسَ بِلَوْثٍ، وَلَوْ شَهِدَ أَوْ شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا قَتَلَهُ أَحَدُ هَذَيْنِ، ثَبَتَ اللَّوْثُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِذَا عَيَّنَ الْوَلِيُّ أَحَدَهُمَا وَادَّعَى عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُقْسِمَ، كَمَا لَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ، وَقِيلَ: لَا لَوْثَ، كَالصُّورَةِ الْأُولَى.
الْخَامِسُ: تَكْذِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ ابْنَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَ زِيدٌ أَبَانَا، وَقَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ اللَّوْثُ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَقْتُلْهُ، بَلْ كَانَ غَائِبًا يَوْمَ الْقَتْلِ، وَإِنَّمَا قَتَلَهُ فُلَانٌ، أَوِ اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ عَنْهُ، أَوْ قَالَ: بَرَأَ مِنَ الْجِرَاحَةِ، أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، فَهَلْ يُبْطِلُ تَكْذِيبُهُ اللَّوْثَ، وَيَمْنَعُ الْأَوَّلُ الْقَسَامَةَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُكَذِّبُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ بِالْفَاسِقِ قَطْعًا، وَالْمَنْصُوصُ الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا تُبْطِلُ، حَلَفَ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا، وَأَخَذَ حَقَّهُ مِنَ الدِّيَةِ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَ أَبَانَا زِيدٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ قَتَلَهُ عَمْرٌو، وَقُلْنَا: لَا يَبْطُلُ اللَّوْثُ بِالتَّكَاذُبِ، أَقْسَمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute