قُلْتُ: تَوَقَّفَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ «الْإِرْشَادِ» فِي انْعِزَالِ الْإِمَامِ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَهْدُ إِلَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، وَفِيهِ مَذْهَبَانِ آخَرَانِ، أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، كَالتَّزْكِيَةِ وَالْحُكْمِ لَهُمَا، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِلْوَالِدِ دُونَ الْوَلَدِ، لِشِدَّةِ الْمَيْلِ إِلَيْهِ، وَأَنَّ وَلِيَّ الْعَهْدِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ مَا إِلَيْهِ مِنَ الْعَهْدِ إِلَى غَيْرِهِ، لَمْ يَجُزْ، وَأَنَّهُ لَوْ عَهِدَ إِلَى جَمَاعَةٍ مُرَتَّبِينَ، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: بَعْدَ مَوْتِي فُلَانٌ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فُلَانٌ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ فُلَانٌ، جَازَ، وَانْتَقَلَتِ الْخِلَافَةُ إِلَيْهِمْ عَلَى مَا رَتَّبَ، كَمَا رَتَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَرَاءَ جَيْشِ مُؤْتَةَ، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ، فَالْخِلَافَةُ لِلثَّانِي، وَلَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي حَيَاتِهِ، فَهِيَ لِلثَّالِثِ، وَأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ وَبَقِيَ الثَّلَاثَةُ أَحْيَاءً، فَانْتَصَبَ الْأَوَّلُ لِلْخِلَافَةِ، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إِلَى غَيْرِ الْآخَرِينَ، فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهُ ; لِأَنَّهَا لَمَّا انْتَهَتْ إِلَيْهِ صَارَ أَمْلَكَ بِهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَعْهَدْ إِلَى أَحَدٍ، فَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَيْعَةِ أَنْ يُبَايِعُوا غَيْرَ الثَّانِي، وَيُقَدَّمَ عَهْدُ الْأَوَّلِ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الشُّورَى أَنْ يُعَيِّنُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ خَافُوا انْتِشَارَ الْأَمْرِ بَعْدَهُ اسْتَأْذَنُوهُ، فَإِنْ أَذِنَ، فَعَلُوهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى مَنْ يُخْتَارُ خَلِيفَةً بَعْدَهُ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ لَا يَصِحُّ إِلَّا اخْتِيَارُ مَنْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُخْتَارُ، كَمَا لَا يَصِحُّ إِلَّا تَقْلِيدُ مَنْ عَهِدَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا عَهِدَ إِلَى غَيْرِهِ بِالْخِلَافَةِ، فَالْعَهْدُ مَوْقُوفٌ عَلَى قَبُولِ الْمَعْهُودِ إِلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ قَبُولِهِ، فَقِيلَ: بَعْدَ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهُ مَا بَيْنَ عَهْدِ الْخَلِيفَةِ وَمَوْتِهِ، قَالَ صَاحِبُ «التَّتِمَّةِ» : وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَعْهُودُ إِلَيْهِ مِنَ الْقَبُولِ بُويِعَ غَيْرُهُ، وَكَأَنَّهُ لَا عَهْدَ، وَكَذَا إِذَا جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى، فَتَرَكَ الْقَوْمُ الِاخْتِيَارَ لَا يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ الْأَمْرَ إِلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute