الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا ثَبَتَتِ الْإِمَامَةُ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَجَاءَ آخَرُ، فَقَهَرَهُ، انْعَزَلَ الْأَوَّلُ، وَصَارَ الْقَاهِرُ الثَّانِي إِمَامًا.
الرَّابِعَةُ: لَا يَجُوزُ خَلْعُ الْإِمَامِ بِلَا سَبَبٍ، فَلَوْ خَلَعُوهُ، لَمْ يَنْخَلِعْ، وَلَوْ خَلَعَ الْإِمَامُ نَفْسَهُ، نُظِرَ، إِنْ خَلَعَ لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا، انْعَزَلَ، ثُمَّ إِنْ وَلَّى غَيْرَهُ قَبْلَ عَزْلِ نَفْسِهِ، انْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ، وَإِلَّا فَيُبَايِعُ النَّاسُ غَيْرَهُ، وَإِنْ عَزَلَ نَفْسَهُ بِلَا عُذْرٍ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا: لَا يَنْعَزِلُ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» وَغَيْرُهُ، وَالثَّانِي: يَنْعَزِلُ ; لِأَنَّ إِلْزَامَهُ الِاسْتِمْرَارَ قَدْ يَضُرُّ بِهِ فِي آخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ، وَالثَّالِثُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ لَمْ يَظْهَرْ عُذْرٌ، فَعَزَلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يُوَلِّ غَيْرَهُ، أَوْ وَلَّى مَنْ هُوَ دُونَهُ، لَمْ يَنْعَزِلْ، وَإِنْ وَلَّى مِثْلَهُ، أَوْ أَفْضَلَ، فَفِي الِانْعِزَالِ وَجْهَانِ، وَهَلْ لِلْإِمَامِ عَزْلُ وَلِيِّ الْعَهْدِ؟ قَالَ الْمُتَوَلِّي: نَعَمْ، وَالْمَاوَرْدِيُّ: لَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا لَهُ بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ أَصَحُّ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَوْ عَزَلَهُ الْإِمَامُ، وَعَهِدَ إِلَى ثَانٍ، ثُمَّ عَزَلَ الْمَعْهُودَ إِلَيْهِ أَوَّلًا نَفْسَهُ، فَعَهْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ، وَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِئْنَافِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةُ: سَبَقَ فِي بَابِ الْأَوْصِيَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِالْإِغْمَاءِ ; لِأَنَّهُ مُتَوَقَّعُ الزَّوَالِ، وَيَنْعَزِلُ بِالْمَرَضِ الَّذِي يُنْسِيهِ الْعُلُومَ، وَبِالْجُنُونِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَلَوْ كَانَ يُجَنُّ وَيَفِيقُ، وَزَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَكْثَرُ، وَيُمَكَّنُ فِيهِ مِنَ الْقِيَامِ بِالْأُمُورِ، لَمْ يَنْعَزِلْ، وَيَنْعَزِلُ بِالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِثِقَلِ السَّمْعِ، وَتَمْتَمَةِ اللِّسَانِ، وَفِي مَنْعِهِمَا ابْتِدَاءَ الْوِلَايَةِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَطْعَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ، لَا يُؤَثِّرُ فِي الدَّوَامِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute