حَدَّا أَوْ قِصَاصًا أَوْ مَالًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْآدَمِيِّينَ، عِنَادًا أَوْ مُكَابَرَةً، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِتَأْوِيلٍ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَحْكَامُ الْبُغَاةِ، وَكَذَا الْمُرْتَدُّونَ، ثُمَّ التَّأْوِيلُ لِلْبُغَاةِ إِنْ كَانَ بُطْلَانُهُ مَظْنُونًا، فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ كَانَ بُطْلَانُهُ مَقْطُوعًا بِهِ، فَوَجْهَانِ، أَوْفَقُهُمَا لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ، كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ وَشُبْهَتِهِمْ، وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ، وَيَكْفِي تَغْلِيطُهُمْ فِيهِ، وَقَدْ يَغْلَطُ الْإِنْسَانُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ.
فَرْعٌ
الْخَوَارِجُ صِنْفٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً كَفَرَ وَخُلِّدَ فِي النَّارِ، وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمُ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: لَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَتَجَنَّبُوا الْجَمَاعَاتِ، وَكَفَّرُوا الْإِمَامَ وَمَنْ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، لَمْ يُقْتَلُوا وَلَمْ يُقَاتَلُوا، ثُمَّ إِنَّ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، عُزِّرُوا، وَإِنْ عَرَّضُوا، فَفِي تَعْزِيرِهِمْ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يُعَزَّرُونَ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ «التَّنْبِيهِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَعَثَ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ وَالِيًا فَقَتَلُوهُ، فَعَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، وَهَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُ قَاتِلِهِ، كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ ; لِأَنَّهُ شَهَرَ السِّلَاحَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِخَافَةَ الطَّرِيقِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَتَحَتَّمُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُمْ إِنْ قَاتَلُوا، فَهُمْ فَسَقَةٌ وَأَصْحَابُ بُهْتٍ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، فَهَذَا تَرْتِيبُ الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ وَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute