وَحَكَى الْإِمَامُ فِي تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَجْهَيْنِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ نُكَفِّرْهُمْ، فَلَهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ، وَقِيلَ: حُكْمُ الْبُغَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا: كَالْمُرْتَدِّينَ، لَمْ تُنَفَّذْ أَحْكَامَهُمْ.
الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَعَدَدٌ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ الْإِمَامُ فِي رَدِّهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ إِلَى كُلْفَةٍ، بِبَذْلِ مَالٍ، أَوْ إِعْدَادِ رِجَالٍ، وَنَصْبِ قِتَالٍ، فَإِنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ ضَبْطُهُمْ، فَلَيْسُوا بُغَاةً، وَشَرَطَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ فِي الشَّوْكَةِ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِبَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الصَّحْرَاءِ، وَرُبَّمَا قِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يُحِيطُ بِهِمْ أَجْنَادُهُ، وَالْأَصَحُّ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اسْتِعْصَاؤُهُمْ وَخُرُوجُهُمْ عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنُوا مِنَ الْمُقَاوَمَةِ وَهُمْ مَحْفُوفُونَ بِجُنْدِ الْإِسْلَامِ، حَصَلَتِ الشَّوْكَةُ، وَتَتَعَلَّقُ بِالشَّوْكَةِ صُوَرٌ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ:
إِحْدَاهَا: حَكَى فِي قَوْمٍ قَلِيلِي الْعَدَدِ تَقَوَّوْا بِحِصْنٍ وَجْهَيْنِ، وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَفْصِلَ، فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ الْحِصْنُ عَلَى حَافَّةِ الطَّرِيقِ، وَكَانُوا يَسْتَوْلُونَ بِسَبَبِهِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَرَاءَ الْحِصْنِ، فَالشَّوْكَةُ حَاصِلَةٌ وَحُكْمُ الْبُغَاةِ ثَابِتٌ، لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَقْضِيَةُ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَإِلَّا فَلَيْسُوا بُغَاةً، وَلَا نُبَالِي بِمَا وَقَعَ مِنَ التَّعَطُّلِ فِي الْعَدَدِ الْقَلِيلِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: لَوْ تَحَرَّبَ مِنَ الشُّجْعَانِ عَدَدٌ يَسِيرٌ يَقْوُونَ بِفَضْلِ قُوَّتِهِمْ عَلَى مُصَارَمَةِ الْجُمُوعِ الْكَثِيرَةِ، حَصَلَتِ الشَّوْكَةُ بِلَا خِلَافٍ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ: يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الشَّوْكَةَ لَا تَحْصُلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَتْبُوعٌ مُطَاعٌ، إِذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ مُطَاعٌ، وَهَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ إِمَامٌ مَنْصُوبٌ لَهُمْ أَوْ مُنْتَصِبٌ؟ وَجْهَانِ، وَيُقَالُ: قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لَا يُشْتَرَطُ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute