اجْلِسْ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، كَفَرَ، وَقَدْ حَكَيْنَا نَظِيرَهُ عَنِ الْمُتَوَلِّي، قَالُوا: وَلَوْ قَالَ لِعَدُوِّهِ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ أُؤْمِنْ بِهِ، أَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَفَرَ، قَالُوا: وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: مَا الْإِيمَانُ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، كَفَرَ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَفَرَ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ تَتَبَّعُوا فِيهَا الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَأَجَابُوا فِيهَا اتِّفَاقًا أَوِ اخْتِلَافًا بِمَا ذُكِرَ، وَمَذْهَبُنَا يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُمْ فِي بَعْضِهَا، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ اللَّفْظِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ.
قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَوِ الْفَضْلُ عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ كِتَابِهِ الشِّفَاءِ بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ جُمْلَةً فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ غَيْرَ مَا سَبَقَ، نَقَلَهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ، أَكْثَرُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَمِنْهَا: أَنَّ مَرِيضًا شُفِيَ ثُمَّ قَالَ: لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إِلَى الْجَوْرِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدَ، أَوْ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ هُوَ بِقُرَشِيٍّ، فَهُوَ كُفْرٌ ; لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، أَوْ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إِلَى مَرْتَبَتِهَا، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَيُعَانِقُ الْحُورَ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ قَطْعًا، وَأَنَّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ، وَكَذَا يَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ قَائِلٍ قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ، أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute